فقه الأخلاق

هل الأنانية من طبيعتنا البشرية؟ تشومسكي يجيب

تشومسكي

 

نعوم تشومسكي (مواليد 1928) هو أستاذ لسانيات أمريكي، وفيلسوف وعالم بالإدراك والمنطق، ومؤرخ وناقد وناشط سياسي.

في حوار أجراه (جون بريكمان) مع (تشوميسكي) حول رهان باسكال، تم نشره بالعربية ككتاب بعنوان (العقل ضد السلطة)، انتقينا منه السؤال التالي:

الأنانية: قاعدة كُلٌّ لنفسه. فهل هنالك وسيلة لتصور نظام اجتماعي بديل لا يتوقف على الافتراض البعيد عن الاحتمال بأن الناس يصيرون جميعًا إيثاريين بقدرة قادر؟

فأجاب (تشومسكي) بعد ذلك:

لماذا بعيد عن الاحتمال؟ فلنفترض أن شخصًا يشعر بالجوع ويتجول في الشارع في غياب رجال الشرطة، ثم يلتقي طفلًا جائعًا وبيده قطعة خبز. فهل تكون الغريزة الطبيعية بأن يسرق ذلك الشخص الخبز من الطفل؟ إن كان كذلك فإننا نعتبره فعلًا مَرَضيًا. وعندما تتخلف بعض الدلافين على الشاطئ بفعل تراجع المد، ويهب مئات الأشخاص لنجدتها، وتراهم يبذلون الجهود المضنية في محاولة إنقاذها. فهل يجوز لنا أن نفسر هذا العمل منهم بالأنانية، أو حتى بالنظريات أمعنِها في السفسطائية، وهي التي تقول إن الانتقاء الطبيعي يغلب عند الإنسان الميل إلى تقديم المساعدة إلى الأشخاص من أسرته والإيثار المتبادل؟ أعتقد أنه لا التاريخ ولا التجربة يكذّبان فرضية (آدم سميث) و(ديفد هيوم) – المعدودين من الأعضاء البارزين في الجوقة المعاصرة المتغنية بالأنانية – ، والتي تعتبر التعاطف مع الآخرين والاهتمام برفاههم سمتين أساسيتين في الطبيعة البشرية. والاعتقاد بأن الأنانية غريزة إنسانية غالبة شيء يواتي الأثرياء والأقوياء الساعين في العمل على تفكيك المؤسسات الاجتماعية، التي ظهرت على أساس من التعاطف والتكافل والتعاون المتبادل. إن العناصر الأشد همجية في القطاعات الغنية والقوية – ويدخل فيها أولئك الذين يمسكون اليوم بزمام الأمور في (واشنطن) أو المتحمسون لـ(تينا) في غير (واشنطن) – عاقدوا العزم على تقويض الأمن الاجتماعي وبرامج الصحة والمدارس، والحقيقة أنهم عاقدوا العزم على تقويض جميع المنجزات التي تحققت بفضل النضالات الشعبية، والتي تلبي الاحتياجات العمومية، ولا تكاد تنقص شيئًا من ثرائهم ومن سلطانهم. ويواتي هؤلاء كثيرًا كذلك أن يبتكروا نظريات خيالية تقوم على اعتبار الأنانية هي المركز في الطبيعة البشرية، لكي يبنوا أن من الخطأ (أو من “الشر” حسب المصطلحات الرائجة) أن نهتم بمعرفة هل الأرملة المريضة على الجانب الآخر من المدينة تتلقى الغذاء والعلاج، أو هل الطفل في البيت المقابل لبيتنا يتلقى التعليم اللائق. فهل توجد حجج متينة تسوّغ هذه المذاهب المواتية للذين يقولون بها؟ لا وجود لتلك الحجج في حدود ما أعلم.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى