آليات الكتابة، ونصائح في التعبير

في فضاءات الكتابة، عبدالسلام بنعبدالعالي (ج.2)

ben-abdelaali

عبدالسلام بنعبدالعالي (مواليد 1945)، كاتب ومفكر مغربي حاصل على دكتوراه في الفلسفة، وهو أستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط، له كثير من المقالات والدراسات العلمية، وقد نشرت له مجموعة كتب. من بينها؛ (منطق الخلل)، (في الانفصال)، (الفلسفة السياسية عند الفارابي). كما ترجم العديد من الكتب عن الفرنسية مثل: (أتكلم جميع اللغات لكن بالعربية) للكاتب (عبدالفتاح كيليطو) و(أسئلة الكتابة) – للكاتب (موريس بلانشو).

الجزء الأول من المقالة (هنا)

بين النص والتعليق

يناقش (بنعبدالعالي) مسألة الكتب الشارحة لكتب أخرى، وفيما يذكر هذه المسألة يستشهد بالمقالات والتعليقات أدناها، مالذي نراه في التعليق؟ لا يعدو أن يكون تأييدًا أو نقدًا، أو كما يقول: هي إما تعليقات معلم يوضح السلبيات، أو تعليقات تلميذ شاكر لمعلمه. يتراءى لنا حين نفكر في الكتب التي تشرح كتبًا أخرى، أننا أمام كتاب أقل من الأصل، أو هو دونه في المستوى، وقد شاع بيننا -تأييدًا للمستشرقين على حد قول المؤلف- أن مفكريننا ماهم في أحسن الأحوال إلا شرّاح معلّقون لمعلمين –غربيين طبعا- سبقوهم، باعتبار الأفضلية لكُتّاب المتن طبعًا، والأفضلية للمعلم الأول، والتنقيص للشارح أو المعلق، المعلمَين بعد المعلم الأول. ماذا يقول بنعبدالعالي في هذا السياق:

غني عن التأكيد أن الشعرية المعاصرة، بل ربما الفكر المعاصر في مجمله، لم يعد يعتمد هذه التفرقة بين من يكتب ومن يعلق من جهة أخرى، بين من يؤلف ومن يشرح، من يفكر ومن ينتقد. فما دُعي موتًا للمؤلف صوحب في الوقت ذاته ببعث من ظلّوا ظلًا له كالقارئ والناقد والمترجم، والمعلّق. وهكذا فربما لن نجانب الصواب إن جزمنا أن كبار المفكرين المعاصرين هم مجرد معلّقين… أن نعلّق على مفكر هو أن نجعل فكره يمتد، هو أن نجعل الفكر يمتـد… قد يكون من المتعذر أن نقول إن ماكتبه (بلانشو) في الترجمة مثلا هو مجرد تعليق على كتاب (بنيامين)، كما قد يتعذر الجزم ما إذا كان ماكتبه (دولوز) هو “مجرد” تعليق حول مؤلفات (فوكو) … فنحن أمام كوكبة من الكتّاب تكتب النص نفسه، كل يعمل على أن يجعل النص يمتد ويمتد، إلى حد أنه يتعذر علينا أن نحدد من المعلق ومن المعلّق عليه، من الأول ومن يليه، من المؤلف ومن الشارح، من الكاتب ومن الناقد.


السرقات الأدبية

عن رأي (بنعبد العالي) حول السرقات الأدبية، يقول:

كتب (بلانشو): “من الذي سيولي عنايته لقول جديد؟ قول لم يُنقل؟ ليس المهم أن نقول قولًا، وإنما أن نكرر القول، وأن نقوله كل مرة وكأنه سيقال للمرة الأولى.”

ماهي السرقة الأدبية والحالة هذه؟ هي أن نكرر القول دون أن يبدو كأنه يقال لأول مرة… السرقة هي فشل المحتوى في أن يلبس شكلا جديدًا، هي عجز الأسلوب أن يرقى إلى إعادة صياغة المضمون. إنها كتابة مخفقة، ولكنها تظل من صميم الكتابة، من صميم كل تأليف سواء كان موسيقى أو نحتًا أو صياغة. الكتابة لا مفرّ لها من أن تكرر القول، ولا محيد لها عن النقل. السرقة “لعنة” كل كتابة، حتى أن (ابن رشيق) لا يتردد في “العمدة” في الجزم بأن لا أحد من الشعراء يقدر أن يدعي السلامة منها.

كل كتابة هي كتابة فوق كتابة، كل كتابة طرس شفاف. فكأن النصوص تكتب ذاتها.


النسيان من أجل الكتابة:

يقول (بورخيس): “ما ندعوه إبداعًا هو مزيج من نسيان ماقرأناه ومن تذكره”، ويضيف (بنعبد العالي) عن فضل النسيان الذي اعتُقد لوقت طويل أنه ليس أكثر من إهمال وإغفال:

عندما نُصح كل مقبل على نظم الشعر قديما أن يحفظ ديوان الأشعار عن ظهر قلب، لينساها فيما بعد، فليس ذلك إلا لكون النسيان قوة حارسة “بفضلها يحافظ على سرّ الأشياء”. فكل شاعر هو، مبدئيا، منقب في الآثار التي طواها النسيان أو كاد، كل شاعر مصارع لقوة جبارة هي قوة النسيان. فالشاعر، كما يؤكد (بلانشو)، يتكلم كما لو كان يتذكر، لكن إن كان يتذكر فبفعل النسيان.

 

زر الذهاب إلى الأعلى