الإنتاج الفني والسردي

موسيقى المارياتشي، صبغة عشق وفرح

Mariachi

الموسيقى تصبغك جمال وجلال في جميع الأحوال وتستشف المشاعرالإنسانية بوضوح، فكما أن الموسيقى تستطيع أن تحكي الحزن وتفاصيله، فهي تصيغ الفرح وتحتويه. وعرف عن موسيقى المارياتشي المكسيكية هذه الميزة، فقد خلقت لتعلن عن زفاف العشاق وفرحتهم في ساحة غاريبالدي في مدينة مكسيكو .

اختلف في تسمية مرياتشي حيث قيل أنها من “مارياج” وأنها انحدرت من اللغة الفرنسية ومعناها حفل الزواج، وقال آخرين أنها تعني بالمكسيكية مجموعة من الموسيقين الشعبيين أو المكان الذي يرقص فيه في الهواء الطلق، فقد قال الأستاذ محمد الخطابي عنها :

يشير بعض العلماء المختصّين فى تاريخ الموسيقى المكسيكية أنه عثر على وثيقتين سابقتين لتاريخ 1860 وهو تاريخ دخول الفرنسيين إلى المكسيك مستغلّين إنشغال أمريكا الشمالية بحربها الأهلية ،وترد فى هاتين الوثيقتين كلمة “مارياتشي” ممّا يؤكّد حسب رأيهم انّ هذا المصطلح كان له وجود قبل دخول الفرنسيين للمكسيك، ويذهبون أيضا أنّ لهذه الكلمة عدّة معان عندهم فهي تعني مجموعة من الموسيقيين الشعبيين، كما أنها تعني المكان الذي يرقص فيه فى الهواء الطلق، ويزعم هؤلاء كذلك انّ كلمة مارياتشي تعني إسم شجرة، ثم أصبحت تعني هؤلاء الذين يتجوّلون أو يهيمون على أنفسهم فى القرى، والضيع، والمداشر، والبوادي وهم يشيعون الفرح والحبور فى قلوب المنكوبين أو المهمومين.

لكل موسيقى صفة معينة وتأخذ هذه الموسيقى حيزها من الجمال، وغالبا الموسيقى تحكي بين طيات حكاياها قصص شعوب قد هاجرت من أماكن مختلفة حتى استقرت في وطن واحد، وهنا حين نتحدث عن المارياتشي فنحن بذلك نتحدث عن المكسيك وكم المهاجرين الذين انتقلوا إليها ومنهم كثيرين كانوا في الأندلس، لذا نلحظ الكثير من التفاصيل المشتركة بينهم ومنها الموسيقى، إلا أن موسيقى المارياتشي تطورت وأصبحت ذات ملامح مستقلة، ويعرف أنها تناقلتها الأجيال بالممارسة من جيل لجيل فليس هناك أكاديميات تخرج عازفي المارياتشي إلا حديثاً فيقول الأستاذ محمد الخطابي :

عرفت المكسيك هجرات متوالية فى فترات متتالية من تاريخها الطويل، وقد حملت هذه الهجرات على إختلافها العديد من العادات والتقاليد والمظاهر الثقافية والحضارية والفنية واللغوية والموسيقية وسواها، ويتغنّى المارياتشي المحترف بمقطوعات شعرية جميلة من الفولكلور الشعبي المكسيكي، كما أن هناك نوعا آخر ليس له طابع خاص مميّز على أنه يلجأ إلى التقليد حسب المناسبات والظروف فيتغنون بمقطوعات مارياتشي الأرياف والمدن على حد سواء، وغايتهم من ذلك هو كسب قوت العيش وإرضاء جميع الاذواق. وهناك أسماء فرق يربو عمرها على أزيد من قرن من الزمان حيث يحل الأبناء محل الآباء ثم الأحفاد وهكذا،  فيغدو بالتالي هذا الفن متوارثا بين الاسرة الواحدة. وأقدم فرقة من هذا القبيل أسسها ” غاسبار برقاش”عام 1898 (و يلاحظ أصل هذا الإسم الأندلسي الأمازيغي الذي ما زال موجودا ومنتشرا فى المغرب والأندلس حتى اليوم) وما زالت هذه الفرقة التي تحمل اسم مؤسسها وهي من أشهر وأكبر وأغلى فرق المارياتشي فى المكسيك. وفى عام 1921 تولى رئاسة هذه الفرقة النجل الأكبر للسيد برقاش أو بركاش سيلفيستري -الذي مثلما قام ” زرياب” عند وصوله إلى الأندلس بزيادة وتر خامس إلى العود- عمل برقاش على زيادة آلات موسيقية جديدة مستحدثة إلى هذه الفرقة وهي البوق أو النفير حيث غلبت هذه الآلة الموسيقية على الآلة التقليدية فى هذه الفرق وهي آلة “الفيولين” التي كانت تعتبر الأداة الرئيسية عند المارياتشي إلى جانب أدوات أخرى وترية وآلات النقر والنفخ.

موسيقى المارياتشي تتميز بأن أفراد فرقتها يرتدون الزي المكسيكي المزركش ذات القبعات الخسف الكبيرة فهي مميزة بطابعها الشعبي الذي لايزال حتى الآن، فقد قال الأستاذ الخطابي :

هناك أنواع عديدة من فرق المارياتشي، وهم يتباينون فى أزيائهم حيث تكون غاية فى الإتقان والتنسيق، أو ربما كانت أزياء بسيطة ولكنها مع ذلك تكون مثيرة تسير فى نفس الخط العام المميز لهذه الفرق، كما يختلفون فى أنواع وأحجام قبعاتهم المزركشة، وتضاهي أحذيتهم أحذية رعاة البقر الأمريكيين، وهم يستعملون أحزمة جلدية سميكة مرصّعة بالنقود المعدنية الفضية والمذهبة، ويعتزّ أفراد فرق المارياتشي إعتزازا كبيرا بنوعية الغناء الذي يؤدونه وهم يعتبرونه إرثا فنيا رفيعا ورثوه عن أجدادهم، ولهم فيه نوابغهم وأفذاذهم الذين أجادوا هذا الفن وبرعوا فيه واخلصوا له على إمتداد الاجيال.

فلكل عاشق مذهبه في العشق حتى عشاق المكسيك لهم تقليد خاص، فعشقهم يتصل اتصالا وثيقا بفرق المارياتشي، حيث يصطحب العاشق فرقة مرياتشي ذات ليلة ويقف تحت نافذة محبوبته ويغني لها ماشاء من أغاني الحب فإذا أضاءت مصباح غرفتها فهي بذلك تكون قد أعلنت له عن مبادلتها له بهذا العشق فيقول الأستاذ الخطابي :

من عادة أهل المكسيك الجميلة أن يصطحب العاشق المغرم إلى منزل محبوبته فرقة من المارياتشي وتسمى هذه العادة عندهم “سيريناتا” وهي لحن يعزف ليلا لإستعطاف المحبوب والتغنّي بجماله ومحاسنه، وخصاله ومحامده، وتقف فرقة المارياتشي وإلى جانبها المحبّ قبالة منزل محبوبته فى ساعة متأخرة من الليل، وتبدأ فرقة المارياتشي فى الغناء والطرب معبّرة عن مشاعر الحبّ التي يشعر بها العاشق الولهان نحو حبيبته فى أنغام حلوة ومؤثرة تحطّم سكون الليل وخلوته، فإذا قامت الفتاة وأوقدت نور الغرفة وأطلّت من شرفة منزلها فمعنى ذلك أنها قبلته وتبادله نفس مشاعر الحبّ،ووبالتالي يمكن لهذا الشاب أن يأتي إلى منزلها متى يشاء ليطلب يدها من ذويها بصفة رسمية، وإذا لم يُضاء النور، ولم تطل المحبوبة من غرفتها فمعنى ذلك أنها غير راضية بحبّه والزواج منه، عندئذ يطلب الشاب من المارياتشي الإنسحاب بعد أن يدفع لهم أجر عملهم ،ثم يعود هو منكسر الخاطر، شارد البال، حزينا متحسّرا يجرّ أذيال الخيبة والفشل، وما زالت هذه العادة قائمة ومنتشرة فى مختلف المدن والقرى المكسيكية حتى اليوم.

هذه عينات من أغاني المارياتشي

https://www.youtube.com/watch?v=h9KQbbheFcM

https://www.youtube.com/watch?v=eBdlRY31jyo

للإستزادة: المارياتشي.. صوت المكسيك في أفراحه وأتراحه / تاريخ المارياتشي

فاطمة باسلامة

خريجة جامعة دار الحكمة قسم القانون، مدونة، مهتمة بالأدب والفنون والموسيقى وكل ماله علاقة بالجمال.
زر الذهاب إلى الأعلى