الإنتاج الفني والسردي

فلسفة اللحن عند السنباطي كما يراها النقاد

"تركيبة (السنباطي) الموسيقية مركبة معقدة بالمعنى الإيجابى للتعقيد، عواطفه ليست سهلة"

يتحدث (عبد المطلب الرحالي)  في مقاله “في لحن «النيل» .. السنباطي وقف ضد الاستشراق” عن لغة اللحن عند رياض السبناطي في مواجهة الأزمات الثقافية التي كانت تعانيها مصر في تلك الفترة بقوله:

أعاد السنباطي بلغته الخاصة إنتاج إشكالية النهضة، مؤسِّساً لأسئلتها في حقل جديد، حقل الموسيقى العربية، بقدر ما يهمنا خصوصية التعبير في طرح تلك الأسئلة وإعادة ذلك الإنتاج. وهي خصوصية تميزت بالتشبث بأصالة الموسيقى العربية قالبًا ونسيجًا لحنيًا والتزامًا بمنظومتي المقام والإيقاع العربيين وتشكيل الأداء الكلثومي الباهر بصيغ الطرب السليمة في مخارج الحروف مع الإعراض عن كل تأثُّر بالمرجعية الغربية وذلك بحافز التحدي في إطار الصراع الحضاري غير المتكافئ.

وما يزيدنا فهماً لهذا الإدماج هو العلاقة المتينة التي ربطت جلّ منظِّري إشكالية النهضة بـ(أم كلثوم)، لا كصوت معجزة فحسب، بل كمؤسسة محورها ملحنون وشعراء وفرقة موسيقية خاصة وهيئة استشارية من كبار المثقفين والإعلاميين على رأسها الشاعر (أحمد رامي)، بحيث كان لهذه المؤسسة منهجية خاصة ستطبع الأعمال الكاملة لأم كلثوم منذ أوائل الثلاثينيات، وظهر تأثيرها جلياً في نوعية الألحان والأشعار خاصة الشوقيات المختارة بذكاء تاريخي وفني واكب أهم الأحداث التي عرفتها وعاشتها مصر المعاصرة: (سلوا قلبي)، (ولد الهدى)، (نهج البردة)، (كفى الأرض شرّ مقاديره)، (النيل)، (سلوا كؤوس الطلا) … وجُلُّها قصائد تجاوزت المائة بيت، يتم في المتوسط اختيار ٢٠ بيتًا للغناء مع تدخُّل إجرائي في تغيير بعض العناوين والكلمات.

ويقول (الرحالي) بشكل ما أن (السنباطي) كان ملتزمًا بهويته العربية المصرية فيحاول فلسفة اللحن ضمن تلك الهوية بقوله:

والتزام (رياض السنباطي) بهذه الخصوصية الأصيلة وبالرؤية الفنية العربية هو ما جعله يبدع عملًا متكاملًا -(النيل)- في روعته وصدقه الفني في غير حاجة لاستلهام الموسيقى الغربية، في حين جعل اقتباسه من الحضارات المصرية القديمة على شكل هرم لبنائه الفني ليعكس جلال وضخامة التماثيل والمعابد الفرعونية اعتماداً على آلة الناي، وهي الآلة الدينية المصرية الوحيدة التي ظلت محتفظة بكل مكوناتها، معرضًا، بتأثير من (أم كلثوم)، عن أي استلهام أو تناصّ بالموسيقى الغربية خاصة بعد فشل فيلمها «عايدة» الذي تناول قصة فرعونية قديمة، نظراً لعدم استمزاج الجمهور لنوعية موسيقى الفيلم الأوبيرالية التي وضعها الموسيقار المجدِّد محمد القصبجي متأثراً في ذلك بنسخة أوبرا عايدة للموسيقار الإيطالي (فردي) التي ألفها بمناسبة افتتاح قناة السويس (1882) بطلب من الحكومة المصرية في عهد (الخديوي إسماعيل).

و يقول (عمار الشريعي)، الموسيقي والمؤلف والناقد أخيراً :

تركيبة (السنباطي) الموسيقية مركبة معقدة بالمعنى الإيجابى للتعقيد، عواطفه ليست سهلة، لا تستطيع قطعها بسكين كما تقطع قالب زبدة أو قطعة جاتوه، عواطفه مركبة، جملته اللحنية فيها مزيد من الكبرياء، فيها رصانة، عمق، شجن، جملة صعبة لا تستطيع ترديدها فور انتهاء اللحن، تحتاج إلى وقت لترديدها، فمثلاً (الأطلال)، فى أول حفلة استقبل الناس اللحن بصمت، ثاني حفلة بصمت أقل، ثالث حفلة بهياج وفرقعة،لأن بعد المرة الثالثة كان دواء السنباطى قد تسرب لوجدان الناس، فأصبحت القصيدة الصعبة على كل لسان فى كل قلب، حتى أن -ست البيت- التي لا تقرأ ولا تكتب أستطاعت أن تغني:

«يا فؤادى لا تسل أين الهوى/ كان صرحا من خيال فهوى/ اسقنى وأشرب على أطلاله طالما الدمع روى».

بقلم: فاطمة باسلامة
مراجعة وتحرير: أحمد بادغيش

فاطمة باسلامة

خريجة جامعة دار الحكمة قسم القانون، مدونة، مهتمة بالأدب والفنون والموسيقى وكل ماله علاقة بالجمال.
زر الذهاب إلى الأعلى