الإنتاج الفني والسرديالعلوم البشرية والاجتماعية

أفونسو كروش في حديثه عن الخيال

أفونسو كروش

أفونسو كروش، من مواليد عام 1971. هو روائي برتغالي، ومصوِّر، وموسيقي. وُلد في فيجيرا دا فوز، ودرس في كلية أنتونيو آرينو للآداب في لشبونة، وكلية الفنون الجميلة في لشبونة أيضًا، ومعهد ماديرا للفنون التشكيلية.

في روايته (هيا نشتر شاعرًا)، وهي نوفيلا قصيرة ساخرة، جعل فعلها الأخير للحديث عن وجهة نظره حول الشعر والفنون بشكل عام، نقتبس منها حديثه عن الخيال، حيث يقول:

يُقال في بعض الأحيان إن الخيال هو هروب مزعوم من الواقع، وكما قال (إليوت): “الإنسانية لا تتحمل كثيرًا من الواقع”، كما لو أنه لم يصل إلينا أو أنه آلمنا ولذلك نحتاج إلى قليل من الخيال، كحاجتنا إلى المخدرات والترفيه. إذ يمكننا أن نكون نفعيين أكثر ونكتشف في الخيال نفعية أكبر غابت عن عالم النفس الذي يحدثنا عن الفظائع والمظالم.

الخيال ليس هروبًا من القبح، ومن الرعب، ومن المظالم الاجتماعية، وإنما، هو بالضبط تصميم لبناء بديل، هندسية فرضية لمجتمع أكثر انسجامًا مع انتظاراتنا الإنسانية والأخلاقية.

“ليس في كل يوم ينتظم العالم في قصيدة”، قال (والاص ستيفنس)، ولكننا نحاول في كل يوم أن نجعل من بعض القصائد عالمًا. وعلى الرغم من كل جهود الردع، فإن التراجع عن فعل ذلك ليس خيارًا بشريًا بالمرة.

الخيال والثقافة يبنيان كل ما نحن عليه. لم نولد بفراء وأسنان ومخالب. وإنما صنعنا ملابس وأدوات كانت دائمًا نتاج الخيال والثقافة. الحقيقة تنقذنا لأسباب واضحة لكن الخيال أيضًا. يمكن أن نُنبّه إلى أن هناك نمرًا يقترب منّا، فمن المهم قول الحقيقة، الملاحظة، ولكن لندافع عن أنفسنا نحتاج، وقبل أن يقترب منا الحيوان، إلى تخيّل إمكانية نجاتنا. حرفيًا، الخيال ينقذنا. فلأننا تخيّلنا، لستطعنا أن ندرك ماذا علينا فعله، واستطعنا امتلاك الأدوات أو الخيارات الضرورية لردّ الفعل. فالحيوانات تولد مع الحقيقة، بحقيقة صلبة مما يقلل لديها الحاجة إلى التعلم؛ نحن نولد بحقيقة أقل ولكن بإمكانيات، وبأسلحة وليدة الخيال؛ نحن نبتكر. فشوكة أو كمّاشة لهما وظيفة واضحة ومن هذه الناحية تفيدان أكثر من بيت شعر ولكن، الشوكة أو الكمّاشة، كانتا نتيجة لابتكار، لتحقيق ذلك كان لا بد من تخيّلهما وابتكارهما. فعندما ننظر حولنا ونرى كراسي، طاولات، قمصانا، فرشاتات، ملاعق، فوانيس، أقلًا، كتبًا، فكل ما نراه ليست أشياء ولدت معنا ولكنّها ولدت من الخيال، من الأفكار. فالعالم الذي يحيط بنا هو نتاج الثقافة.

المجتمع يكون أفضل إن نحن تخيلنا أفضل.

لدينا ذلك الذي سمّاه (جون لوك) بالكمال، تلك الخاصية الغريبة التي تسمح لنا بالتطوّر حتى نحقق إنسانية مثالية، مُفَكّرًا فيها، مُتخيّلة. فمستقبلنا سيكون دائمًا خيالًا، شيئًا لم يوجد بعد، تحويل الطاقة إلى فعل.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى