العلوم البشرية والاجتماعيةالمعرفة والفكر الفلسفي

إيريك فروم يشرح المبدأين الأبيسي والأموسي

إريك فروم

إريك فروم (1900 – 1980) عالم نفس وفيلسوف إنساني ألماني أمريكي. ولد في مدينة فرانكفورت وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1934. والتحق بجامعة فرانكفورت وهايدلبيرغ حيث درس فيها العلوم الاجتماعية والنفسية والفلسفية.

يتحدث (فروم) في كتابه (حب الحياة)، وهو عبارة عن نصوص ومقالات مختارة من ترجمة الأستاذ (حميد شهيب)، عن مفهومي “المبدأ الأبيسي” و“المبدأ الأموسي”، فيقول مستفتحًا:

ليُسمح لي أن أذكر بمفكر كبير للقرن 19 ويتعلق الأمر بالسويسري (يوهان ياكوب) Johnan Jakob Bachofen، الذي أظهر لأول مرة منهجيًا وعلميًا بأن المجتمع محكوم بمبدأين بنيوين مختلفين: المبدأ الأموسي، والمبدأ الأبيسي، ماذا يميز هذين المبدأين عن بعضهما؟

فيتحدث بداية شارحًا المبدأ الأبيسي، فيقول:

في المجتمع الأبيسي، كما هو معروف في العهد القديم ومنذ الحكم الروماني، فإن الأب هو الذي يمتلك ويتحكم في الأسرة. وعندما أتحدث عن الامتلاك، فإن ذلك يجب أن يفهم في المعنى الحرفي للكلمة. ذلك أن الزوجة والأطفال كانوا في النظام الأبيسي، وفي القانون الأبيسي البدائي ملكًا لأب الأسرة تمامًا كالعبيد والماشية. كان باستطاعته عمل ما يريد بهما.

ثم ينتقل بعد ذلك إلى شرح المبدأ الآخر، الأموسي، فيقول:

في المجتمع الأموسي كان الأمر مختلفًا تمامًا. فالشخصية المحترمة على العموم، والتي لا يمكن الحديث عندها عن الامتلاك، بل عن كونها كنت محط اهتمام دون منازع، كانت هي الأم.

وبعد ذلك يتحدث عن الفارق في مفهوم الحب لدى المبدأين:

وبين الحب الأبيسي والحب الأموسي هناك فرق. فالحب الأبوي في جوهره هو حب مشروط، لأنه موقوف على الاستجابة لشروط بعينها. وعندما أتحدث عن “الحب الأبيسي” فإنني لا أعني حب الأب (س) أو الأب (ص)، لكن الأبيسي على العموم. وقد سمى (ماكس فيبر) ذلك بـ“النموذج المثالي”. فالأب يحب في الغالب الابن الذي سوف يحقق أمانيه وتطلعاته. ويصبح هذا الابن في غالب الأحيان وارث الأب. وبهذا فإننا نجد في المجتمع الأبيسي “الابن المفضل” -في غالب الأحيان يكون هو الابن الأكبر- عندما تقرأ العهد القديم، فإننا نجد دائمًا أن هناك ابن مفضل، يكون مختارًا ومفضلًا عند الأب، إنه يعجبه لأنه يطيعه.

في النظام الأموسي نجد الأشياء بشكل آخر. فالأم تحب كل أبنائها على مستوى واحد؛ إنهم كلهم ودون استثناء ثمرة رحمها، وبحاجة إلى عنايتها. فإذا كانت الأم لا ترضع رضيعها إلا لأنه يعجبها ويطيعها، فإن أغلبية الصبية سيموتون. وكما نعلم، فإن الرضيع لا يعمل البتة ما تريده الأم. لو كانت الأم تتوفر على نفس الحب الأبيسي -البيولوجي- لكان النوع الإنساني قد انقرض. إن الأم تحب الطفل لأنه ابنها. ولهذا السبب لا نجد في المجتمع الأموسي أية تراتبية، بل نجد نفس الحب لجميع من يحتاجه من أبنائها.

ويختتم شروحاته لهذين المبدأين، وسبب ذكرهما، فيقول:

إن مرجع هذا العرض السريع هو (باخ أوفن) Bachofen. ففي المجتمع الأبيسي يكون المبدأ الأعلى هو النظام، القانون، المثال، المعنوي. أما في المجتمع الأموسي فإن المبدأ هو العلاقة الطبيعية، وهي العلاقة التي تجمع بين الناس. وهي علاقة لا يحتاج أن يفكر فيها أو تصنع، بل إنها هنا ببساطة.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى