المعرفة والفكر الفلسفي

التجربة أم الفلسفة ؟ منهج جون ستيوارت ميل والمنطق

إذا أردت أن تختبر فرضية ما .. هل ستلجأ للتجربة المباشرة أم تجلس في غرفتك وتحاول أن تختبرها بمجرد التفكير؟ هذا التفريق بين المنهج التجريبي والمنهج الفلسفي العقلاني مسألة احتدم النقاش حولها كثيراً. وحاول بعضهم أن يستغني بأحد المنهجين عن الآخر تطرفاً! لكننا نضع بعض النقاط التي توضح العلاقة المنطقية بين المنهجين كما أوضحها بطريقة مبتكرة وبسيطة، الدكتور (عبدالهادي الفضلي) في كتابه (أصول البحث) حينما تعرض لمنهج (جون ستيورات مِل) التجريبي.

يقوم منهج (جون ستيوارت مِل) على الإستقراء عن طريق الملاحظة والتجربة. ومجاله : المعرفة التي مصدرها الحسّ، أما خطواته فكالتالي:

١- تحديد المشكلة / موضوع البحث.

٢- صياغة الفرضية، وهي مقولة مؤقتة عن صلة بين حادثتين أو أكثر، أو متحوّلين أو أكثر.

٣- إجراء الملاحظة أو التجربة.

٤- النتيجة.

يكمل بعد ذلك الدكتور (عبدالهادي)، فيقول:

والقوانين التي وضعها (مِل) لضبط عمليات البحث التجريبي لتؤدي إلى نتائج سليمة ومعرفة علمية صحيحة، هي -كما جاءت في (موسوعة الفلسفة) ٢/٤٧٠ الطبعة ١٩٨٤ م- :

١- منهج الاتفاق Method of agreement:

ومُفادُهُ: أن ننظر في مجموع الأحوال المولِّدة لظاهرةٍ ما نريد دراسة أسبابها، فإذا وجدنا أن هناك عاملًا واحدًا يظلُّ موجوداً باستمرار على الرغم من تغير بقية العناصر أو المقوِّمات، فيجب أن نُعدَّ هذا الشيء الثابتَ الواحدَ هو علة حدوث هذه الظاهرة.

٢- منهج الافتراق Method of difference:

ولكي نتأكد من صحة الاستنتاج وفقاً للمنهج السابق – منهج الاتفاق – لابُدَّ أن نأتي بمنهج مضاد في الصورة، لكنه مؤيد في النتيجة، فنجري ما يُسمى بالبرهان العكسي.

ويقول: إذا اتفقت مجموعتان من الأحداث من جميع الوجوه إلا وجهاً واحداً، فتغيَّرت النتيجة من مجرد اختلال هذا الوجه الواجد فإن ثمةَ صلة علية بين هذا الوجه وبين الظاهرةِ الناتجة.

٣- منهج المتغيرات المُساوقة Method of concomitant variations ويُمكن أن يُسمى أيضا باسم (منهج المتغيرات المتضايفة) أو (التغيرات المساوقة النسبية):

يقول هذا المنهج: إننا لو أتينا بسلسلتين من الظاهر فيها مقدمات ونتائج، وكان التغير في المقدمات في كلتا السلسلتين من الظاهر ينتج تغيرًا في النائج في كلتا السلسلتين كذلك، وبنسبةٍ معينة، فلا بُدَّ أن تكون ثمة صلة عليِّة بين المقدمات وبين النتائج.

٤- المنهج المشترك (للاتفاق والافتراق) The joint method of agreement and difference:

ويصوغه (مِل) هكذا: “إذا كان شاهدان أو أكثر من الشواهد التي تتجلى فيها الظاهرة تشترك في ظرفٍ  واحدٍ، بينما شاهدان أو أكثر من الشواهد التي لا تتجلى فيها الظاهرة ليس فيها شيءٌ مشترك غير الخلو من هذا الظرف، فإن هذا الظرف الذي فيه وحده تختلف مجموعتا الشواهد هو المعلول أو العلة أو جزء لا غنى عنه من الظاهرة”.

٥- منهج البواقي Method of residues:

وهو منهج للتكهن بالعلة استنتاجًا من فحص موقف يحتوي على ظاهرة واحدة بقي علينا أن نفسرها. وهذا المنهج يتضمن تطبيقًا لمبدأ الإفتراق ابتداءً من المعلول لنكشف العلة.

ونستخلص من هذه المناهج:

١- أن (ستيوارت مِل) اعتمد في وضع قوانينه الخمسة المذكورة على (مبدأ العليِّة / السببية) و(مبدأ الإطراد في الحوادث).
٢- يريد بمنهج الإتفاق: التلازم في الوجود بين العلة والمعلول، بمعنى أنه إذا وجدت العلة وجد المعلول.
٣- يريد بمنهج الافتراق: التلازم في العدم بين العلة والمعلول، بمعنى أنه إذا عُدمت العلة عُدم المعلول. وبتعبير آخر: إذا لم توجد العلة لم يُوجد المعلول.
٤- يريد بالمنهج المشترك: أنّ العلة إذا وجدت وجد المعلول، وإذا عدمت عُدم المعلول.
٥- يريد منهج التغيرات المتساوقة: أن أي تغير يحدث في العلة لابُدَّ أن يحدث في المعلول.
٦- يريد بمنهج البواقي: أن علةَ الشيء لا تكون علة – في الوقت نفسه – علة لشيء آخر مختلف عنه.

ونلاحظ أن ما خلص إليه هو أن الزبدة المرادة من المنهج التجريبي هي قوانين منطقية / ميتافيزيقية أصلاً. فهل هناك فرق فعلي بين المنهج التجريبي والمنهج الفلسفي؟ أم أن خلف المنهج التجريبي فلسفة لم نحدد ملامحها فحسب؟!


للاستزادة حول أصول المنطق والمنهج من د. عبد الهادي الفضلي: كتاب أصول البحث / كتاب مذكرة المنطق.

زر الذهاب إلى الأعلى