الروحانيات والبحث عن المعنىمواضيع عامة، ونصوص مهمة

عبدالرحمن منيف وأحاديث حول الثقافة الوطنية

عبد الرحمن منيف (1933 – 2004) روائي سعودي. يعد (منيف) أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والنقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها المجتمعات العربية خاصة في دول الخليج العربي أو ما يدعى بالدول النفطية، ربما ساعده في هذا أنه أساسا خبير بترول عمل في العديد من شركات النفط مما جعله مدركا لاقتصاديات النفط، لكن الجانب الأهم كان معايشته وإحساسه العميق بحجم التغيرات التي أحدثتها الثورة النفطية في صميم وبنية المجتمعات الخليجية العربية.

في كتابه (بين الثقافة والسياسة)، والذي طرح فيه (منيف) عددًا كبيرًا من الأسئلة بلا جواب، تحدث فيه عن عدة أمور، منها بعض من الأفكار حول الثقافة. يقول منيف عن مكانة الثقافة للمجتمع:

إن ثقافة أي شعب تمثل السمات الأساسية التي تكوّن وجدانه، وتعكس مدى صلابته، وتحدد كيف يفكر وكيف يواجه الأزمات، وأخيرًا كيف يعبر عن موقفه، خاصة وأن الثقافة لا تستطيع الهروب من المشاكل والهموم الحقيقية للناس، ولا التنكر لطموحاتهم وأحلامهم، كما أنها خير معبّر عن الروابط الأساسية وتطلعات المستقبل أكثر مما ترتهن للطارئ والجزئي، كما تفعل السياسة غالبًا.

ويتابع حديثه:

ولأن جوهر الثقافة الوطنية هو الوعي التاريخي للعصر والواقع معًا، وإدراك حقيقة الأخطار والتحديات، فمن خلالها إذن نستطيع قراءة الأفكار وآمال المستقبل، ومن قولها الجهير أو الرامز نلتقط الهموم، كما نحس المخاوف، مخاوف الأيام القادمة، كما نقرأ من خلالها التحديات، وما يدبره لنا العدو لكي يوقع بنا، وهكذا تصبح الثقافة الوطنية مواجهة واسعة وكبيرة بين خيارين وإرادتين، خيار وطني دافعه الحرية والكرامة الوطنية ومقاومة التبعية، وخيار العدو الذي يريد الهيمنة والإلحاق والاستغلال. ومن خلال صراع الإرادتين تتحدد المواقف ويحكم عليها. وبذلك تتجاوز الثقافة مجرد تسجيل المواقف أو البراعات اللغوية والأسلوبية، لأن حقيقتها تتجلى في رفض ما يريد العدو فرضه أو تكريسه، وفي انتهاج فعل مغاير لمسار الإلحاق والتبعية، وتحريض القوى الحية في المجتمع لكي تختار ما يعبر عن مصلحتها وطموحها.

ويقول:

الثقافة هي الرصيد الروحي لحضارة من الحضارات. هي تراثها وطاقتها على التجدد والمتابعة والإبداع، وهي القدرة على التحدي والاستمرار. أي أن الثقافة تصنع عقل الأمة ووجدانها، وبالتالي فهي التي تحمي هذا العقل وتزيده معرفة وإدراكًا، وهي التي تغني الوجدان وتجعله أكثر ثراء وأسرع استجابة لقيم الحق والعدل والجمال.

يستمر (منيف) بعد ذلك، فيشرح “الثقافة الوطنية”، قائلًا:

الثقافة الوطنية هي مجموعة من الأفكار والقيم والصيغ والتعبيرات التي لا تقتصر على الكتابة، أيًا كان نوعها، فقط، وإنما تشمل أيضًا المعايير القيمية والسلوكية التي تُعتمد وتوجّه، مضافًا إليها الطاقات والنشاطات التي يمارسها الناس تعبيرًا عن موقف، أو تحديدًا لعلاقة، خاصة مع الآخر. وهي بمقدار ما تكون فكرًا فإنها ممارسة أيضًا. أي بكلمات أخرى: إن الثقافة الوطنية هي مجموعة من القيم الأساسية، والمتطورة في نفس الوقت، المرتكزة جوهريًا غلى مبادئ الحق والعدالة والحرية والكرامة، إن على المستوى العالمي، أو على مستوى كل بلد، أي الوطني، بما في ذلك مقاومة الظلم أيًا كان مصدره، والدفاع عن الأرض والكرامة الوطنية تجاه أية قوة خارجية غازية، وهي تعبير عن الحق في الوطن والحرية، ومسؤولية في الدفاع عن الوطن والحرية.

هذه القيم، وما يماثلها والتي يفترض أن تشكل جوهر الثقافة الوطنية، تتطلب مقارنة بما كان سائدًا ونقده، لاستخلاص المواقف أكثر صحة وأكثر فعالية، من أجل إقامة معادلة جديدة تأخذ بعين الاعتبار أخطاء الماضي، ولترميم العلاقة بين أطراف يفترض أن تكمّل بعضها، وأن تساهم معًا في دور وطني من أجل بناء ثقافة وطنية جديدة تلائم طبيعة المرحلة وتحدياتها.

زر الذهاب إلى الأعلى