مواضيع عامة، ونصوص مهمة

فن الحوار عند سقراط كما يصفه غاردر

3ZV63aSdbNADPHP8ZEE8LAeXrcMpXknY74e8ocpbH9Rw

“مثلًا أعلى، جهبذًا في الفلسفة. قديسًا، نبيًا، إلهًا للشمس، ومدرسًا أُدين بالهرطقة بسبب تعاليمه”
هكذا وصف أحد المُعاصرين سقراط، الذي قرأ عنه من خلال أفلاطون.
سقراط، اسم لفيلسوف يوناني تتلمذ على يديه الكثير من الأسماء اليونانية اللامعة كأفلاطون، والذي أصبح مرجعنا عنه، خاصة وأن سقراط لم يترك كُتبًا، بل أن كل معلوماتنا عنه جاءت من خلال روايات تلاميذه الفلاسفة، وخاصة ما جاء عنه في حوارات أفلاطون.
تُنسب إلى سقراط مفاهيم السخرية السُقراطية والمنهج السقراطي، المعروف باسم (Elenchus). ولا يزال هذا المنهج مستخدمًا في مجالات واسعة من النقاشات، كما أنه نوع من البيداغوجيا (علم التربية) التي بحسبها تُطرح مجموعة من الأسئلة ليس بهدف الحصول على إجابات فردية فحسب، وإنما كوسيلة لتشجيع الفهم العميق للموضوع المطروح.
تناول جوستاين غاردر الكاتب وأستاذ الفلسفة النرويجي في كتابه الشهير (عالم صوفي) الفلسفة، بداية من الدهشة الخالصة كمدخل للفلسفة وهذا ما يجعل الأطفال في نظره هم أفضل الفلاسفة، وصولًا لفن الحوار الساخر لدى سقراط، وكيف تتولد المعروفة من خلال أسئلة يطرحها المحاور وهو يتظاهر بعدم الفهم، فيما وصفه بسُخرية سقراط، فيقول:

يكمن سر الفعالية لدى سقراط في أنه لم يكن يحاول تعليم الناس، بل على العكس، كان يعطي الانطباع بأنه يريد أن يتعلم من محدثه. لم يكن يعمل كأستاذ رديء .. على العكس كان يناقش ويجادل.

مؤكد أنه لو اكتفى بمحاورة الناس لما أصبح فيلسوفًا مشهورًا. ولكن لما كان حُكم عليه بالإعدام أيضًا. في الواقع، كان يبدأ بطرح الأسئلة، متظاهرًا بأنه لا يعرف شيئًا، ثم يرتب الحوار بشكل يجعل المحاور يكتشف شيئًا فشيئًا مثالب تفكيره، إلى أن يجد نفسه أخيرًا محصورًا بحيث يضطر إلى التمييز بين الصواب والخطأ.

هكذا تتمثل مهمة سقراط في توليد العقول أفكارًا صحيحة. إذن فالمعرفة الحقيقية لا تأتي إلا من داخل كل منا دون أن يستطيع أحد أن يقذفنا بها.

بإمكان كل الناس التوصل إلى الحقائق الفلسفية، إذا قبلوا أن يستعملوا عقولهم. فعندما يبدأ الإنسان بالتفكير، يجد أجوبته داخل نفسه.

لقد كان سقراط بتظاهره عدم المعرفة يجبر الناس على التفكير. كان يعرف أن لعب دور الجاهل أو على الأقل دور من هو أكثر غباء. وهذا يسمى (سخرية سقراط) وبذا كان في مقدوره أن يكشف مواطن الضعف في تفكير الاثينيين. وكثيرًا ما كان يحصل هذا المشهد في السوق أي بين الناس. حيث كانت مصادفة سقراط في الشارع تعني خطر الوقوع في فخ السخرية، والتحول إلى أضحوكة المدينة.

ولا يمكن أن نعجب من كون الكثيرين باتوا يجدونه مزعجًا ومنفرًا و خصوصًا أولئك الذين كانوا يمتلكون سلطة ما في المجتمع.

“تشبه أثينا حصانًا كسولًا، وأنا أشبه ذبابة تحاول إيقاظها وابقائها حية”، هكذا كان يقول.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى