آليات الكتابة، ونصائح في التعبير

كيف يكتب بورخيس؟

    خورخي لويس بورخيس (1899-1986)، كاتب أرجنتيني. يُعد كاتبًا وشاعراً وناقداً من أبرز أعلام الكتابة في القرن العشرين.

في كتاب (بورخيس؛ صانع المتاهات)، والذي قدّمه وترجمه الأستاذ محمد ايت لعميم، ينقل فيه حوارًا أجراه مع ماريا كوداما -زوجة بورخيس- سألها فيه عن عملية الكتابة عنده فأجابته:

أما فيما يتعلّق بالكتابة، فإنه دائمًا ينتظر أن تجود عليه الآلهة بالإلهام، فلا يعتريه القلقإن تأخرت عليه الكتابة، فهو لا يضخّم المسألة، إذ كل شيء بسيط، إن أتت الكتابة يكتب، إن لم تأت لا يقلق.

كما ينقل أيضًا حوارًا أجراه الشاعر والكاتب الارجنتيني أوزفالدو فيراري مع بورخيس، فيسأله فيراري:

“أود أن أتناول معك اليوم ظاهرة يرغب الكثير في معرفتها، أريد أن أتحدث معكم عن الطريقة التي تنتج لديكم عملية الكتابة، بمعنى آخر، كيف تنشأ فيكم قصيدة أو قصة وانطلاقًا من اللحظة التي يبدأ فيها كل شيء كيف تتابع العملية، لنقل صنعة هذه القصيدة أو القصة؟”، فيجيبه بورخيس:

تبدأ الكتابة بنوع من الوحي، غير أنني أستعمل هذه الكلمة بتواضع ومن دون تطلع، هذا يعني أنني أعرف أن شيئًا ما سيقع فجأة، وأن ما يأتيني غالبًا بالنسبة إلى قصة هو البداية والنهاية.                           أما في حالة القصيدة فالأمر ليس كذلك، إنها فكرة عامة جدًا، أحيانًا يأتيني البيت الأول، شيءٌ ما يُمنح لي ثم أتدخل، ومن الممكن أن أفسد كل شيء (يضحك). وبالنسبة إلى القصة مثلًا، أعرف البداية، أي نقطة الانطلاق، وأعرف النهاية، أي الهدف، لكن بعد ذلك عليّ أن أكتشف بوسائلي المحدودة جدًا ما يحصل بين البداية والنهاية. بعد ذلك تأتي مشاكل أخرًا، مثلًا: هل من الملائم أن أحكي بضمير المتكلم أم بضمير الغائب؟

بعد ذلك ينبغي أن أبحث عن الفترة، بالنسبة إليّ، وهذه ثورة شخصية، فالفترة التي تلائمني أكثر هي العشر سنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر. أختار إذا تعلق الأمر بإحدى حكايات البورتينو وأماكن قريبة من مدن كبالرمو وباراكاس أو تورديرا، أما بالنسبة إلى التاريخ لنقل سنة 1899، السنة التي وُلدت فيها.

ولكن لماذا؟ من الذي يستطيع أن يعرف كيف كان يتكلم في هذه الفترة سكان هذه الأحياء؟                 لا أحد. أريد أن أشتغل وأنا مرتاح.

فعلى العكس إذا اختار كاتب موضوعه معاصرة؛ فالقارئ يتحول إلى مفتش ويقرر أن: الأمر ليس كذلك إذ في مثل هذا الحي لا نتكلم بهذه الطريقة، الناس الذين ينتمون إلى طبقة ما لا يستعملون مثل هذا التعبير.

أما أنا فالعكس، عندما أختار فترة بعيدة شيئًا ما، ومكانًا بعيدًا شيئًا ما أحافظ على حريتي، أستطيع أن أتخيل. أو حتى أن أزيّف، يمكنني أن أكذب دون أن يعلم أحد، من دون أن أعلم حتى أنا. بما أنه من الضروري لكاتب الحكاية، حتى لو كانت “فنتازيّةً”، أن يعتقد في الوقت نفسه في حقيقتها.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى