آليات الكتابة، ونصائح في التعبيرالإنتاج الفني والسرديترجمات حصرية

لقاء باريس ريفيو مع كورت فونيجت، بعنوان “فن الخيال”

هذا المنشور هو نتاج للتعاون بين منصة ساقية ومنصة إكليل، ضمن مبادرة (عشر سواقي 2019)

أجرى المقابلة كلا من: (ديفيد هايمان)، (ديفيد ميكايليس)، (جورج بيمبتون)، و(ريتشارد رودس).

نُشرت هذه المقابلة في مجلة (باريس ريفيو)، العدد ٦٩، في ربيع عام ١٩٧٧م. 

هذه المقابلة مع (كورت فونيجت) هي في الأصل تجميع لأربع مقابلات أجريت مع المؤلف على مدى العشر السنوات الماضية. تجميع هذه المقابلات مرت على نطاق عمل واسع ومكثف قام بها المؤلف نفسه، والذي ينظر إلى حديثه بقلق بالغ. يمكن اعتبار ما سيأتي مقابلة أجراها مع نفسه.

مقدمة أول مقابلة، والتي أجريت في ويست بارنستابل، ماساتشوستس، عندما كان (فونيجت) في الرابعة والأربعين، تضمنت على ما يلي: 

رجل عائلي من المحاربين القدامى، محنك ذو عظام عريضة ومفاصل ضعيفة، جلس على الكرسي مرتديا سترة شعثاء بنسيج صوفي خشن، وبدلة كامبريدج رمادية وقميص بروكس بروذر ازرق منسدل للأسفل واضعاً يداه في جيبه. يعصف المقابلة بالسعال والعطاس، الناتج من نزلة برد الخريف والتدخين طوال حياته. صوته غرب أوسطي جهور رنان مع نبرات صوتية ساخرة.

من وقت لآخر يقوم بتوشح الابتسامة الواعية للرجل الذي رأى واحتوى بداخله كل شيء تقريبا: الاكتئاب، الحرب، احتمالية أن يموت بعنف، تفاهة شركة العلاقات العامة، ٦ أطفال، دخل غير منتظم، وتقدير متأخر.

آخر هذه المقابلات أجريت خلال صيف ١٩٧٦م بعد سنوات من أول مقابلة. تم وصفه في ذلك الوقت “… يتحرك بوداعة ككلب العائلة العجوز”

بشكل عام كان مظهره أشعث؛ شعر طويل مجعد،و شارب، وابتسامة مملؤة بالعاطفة، توحي بأنه رجل يحزنه ويسعده ما يجري من حوله، استأجر منزل جيرالد ميرفي لفصل الصيف كان يعمل في غرفة نوم صغيرة في نهاية الممر حيث مورفين (الفنان والمفعم بالحيوية وصديق الفن المتوفي في عام ١٩٦٤م). يمكن لـ(فونيجت) أن ينظر إلى الحديقة الأمامية من خلال نافذة صغيرة من مكتبه؛ ويوجد خلفه سرير أبيض ذو ستائرمنسدلة. وبجوار الآلة الكاتبة التي فوق المكتب نسخ من مقابلة (آندي وارهول)، ورواية (Zone of the Interior) لـ(كلانسي سيغال) والعديد من علب السجائر الفارغة.

يدخن (فونيجت) باستمرار سيجارة من نوع بول مولز منذ ١٩٣٦، وأثناء المقابلة يدخن سيجارة من أفضل مالديه من السجائر، صوته منخفض و أجش، وحينما يتحدث، فإن اشعال السجائر وزفير الدخان يتكرران كأنه علامات الترقيم لحديثه. وهناك بعض الامور التي تقاطعه، مثل رنين الهاتف ونباح كلب صغير أشعث اسمه (Pumpkin)، لكنها لم تؤثر على تصرفات (فونيجت) اللطيفة. في الواقع، قال (دان ويكفيلد) ذات مرة عن زملائه من خريجي مدرسة شورتريدج الثانوية، “كان يضحك كثيراً وكان طيبًا مع الجميع”.


أنت جندي سابق في الحرب العالمية الثانية؟

نعم فعلاً. أريد جنازة عسكرية عندما أموت؛ عازفي موسيقى، علم على النعش، فرقة إطلاق النار، و أرض مجوفة.

لماذا؟

لأنها الطريقة الوحيدة التي من خلالها يمكن أن أحقق ما أردته، أكثر من أي شي آخر؛ شيء لم يكن بإمكاني الحصول عليه إلا إذا قتلت أثناء الحرب.

ما هو؟

أن أحظى باستحسان كافة أفراد المجتمع.

ألا تشعر بأنك تحظى به الان؟

يقول أقربائي أنهم سعداء أنني غني، لكنهم ببساطة لا يستطيعون فهمي.

هل كنت من ضمن فرقة المشاة في الحرب؟

نعم، لكني تلقيت تدريباً على مدافع الهاوتزر ٢٤٠ ملم.

إنه سلاح كبير نوعاً ما.

كان أكبر مدفع متنقل موجود لدى الجيش في ذلك الوقت، حيث يتكون هذا السلاح من ست قطع، تم سحب كل قطعة بواسطة جرارات Caterpillar.  كلما طلب منا أن نطلقه كان يجب علينا تركيبه أولاً. كان علينا أن نكون مبتكرين في ذلك، فنضع كل قطعة فوق الأخرى باستخدام الرافعات، فإن القذيفة نفسها كانت بقطر تسعة ونصف بوصة وتزن ثلاثمائة رطل. لقد بنينا خط سكة حديد صغير يسمح لنا بتوصيل القذيفة من الأرض إلى الجزء الخلفي من المدفع، الذي كان على ارتفاع حوالي ثمانية أقدام من على سطح الأرض. او كما يقولون، إن إغلاق الجزء الخلفي من السلاح كان أشبه بإغلاق باب جمعية القروض والإدخار في البيرو.

لابد أن هناك تأهب عند إطلاق مثل هذا السلاح

ليس تمامًا، نضع القذيفة في المدفع، ثم نضع داخل الفوهة أكياس متفجرة بطيئة للغاية. كانت الأكياس عبارة عن بسكويت رطب خاص بالكلاب على ما أعتقد. ثم نغلق فوهة المدفع، و نطلق المطرقة لتهوي وتصطدم بالغطاء المصنوع من فلمينات الزئبق، والذي بدوره يقذف شعلة من النار على بسكويت الكلاب الرطب.

الفكرة الرئيسية، على ما أعتقد، كانت توليد البخار فبعد فترة، كنا نسمع أصوات طهي، أصوات تشبه الى حد كبير أصوات طهي ديك رومي. حتى يمكننا فتح غطاء فوهة المدفع من وقت لآخر بسلامة تامة، لتبريد ظرف القذيفة. في نهاية المطاف، مدافع الهاوتزر دائماً ماتهيج بعد الطلقة و تعود في النهاية بتناغم لآلية الارتداد الخاصة بها على أية حال، ويتعين عليها أن تقذف ظرف القذيفة. ثم يخرج ظرف القذيفة عائماً مثل منطاد Goodyear لو كان لدينا سلالم، لكان بإمكاننا رسم “Fuck Hitler” “على القذيفة أثناء انفصاله عن البندقية. والمروحيات كان من الممكن أن تقلد ذلك وتطلق القذائف ايضا….

هي أقوى الأسلحة الإرهابية

من الحرب الفرنسية البروسية.

ولكن في نهاية المطاف تم إرسالك إلى الخارج، لكن ليس باستخدام هذه الأداة ولكن مع فرقة المشاة ١٠٦.

“الغداء في كيس” اعتادوا على توزيع الغداء علينا في أكياس، ساندوتش السلامي و برتقالة.

في المعركة؟

ونحن في الولايات المتحدة 

في الوقت الذي تم تدريبك فيه كجندي مشاة؟

لم أتدرب كجندي مشاة قط. الكتيبة الاستطلاعية كانت من قوات النخبة وتتكون كل كتيبة من ٦ أفراد، ولم يكن هناك أي شخص متأكد مما يجب علينا فعله، لذلك كنا نسير إلى غرفة الاستجمام كل صباح، ونلعب بينغ بونغ ونملأ طلبات التقديم لمدرسة تدريب الضباط.

أثناء التدريبات الأساسية لابد أنه كان لديك خلفية عن أسلحة أخرى غير مدافع الهاوتزر.

إذا تعلمت استخدام مدافع هاوتزر التي يبلغ طولها 240 ملمتر، فلن يكون لديك الوقت الكافي حتى لمشاهدة فيلم الأمراض التناسلية.

ماذا حدث عندما وصلت إلى الجبهة؟

قلدت جميع أفلام الحرب التي شاهدتها.

هل صوبت نحو أي شخص في الحرب؟

لقد فكرت في ذلك وقمت بتثبيت الحربة مرة استعدادا للتصويب.

هل صوبت؟

لا. لو قام أي شخص آخر بالتصويب لصوبت أيضًا، لكننا لم نرى أحد فقررنا ألا نطلق.

حصل هذا في معركة البلج، أليس كذلك؟ وكانت من أكبر هزائم الأسلحة الأمريكية عبر التاريخ.

على الأرجح. ففي آخر مهمة استطلاعية قمت بها كان علي العثورعلى المدفعيات الخاصة بنا، رغم أن مهمة فرقة الكشافة غالبًا هي البحث عن أسلحة العدو، لكن الأمور كانت سيئة للغاية لدرجة أننا كنا نبحث عن أداوتنا الخاصة. حتى أن الجميع ظن أنه من الرائع إذا استطعت العثور على قائد كتيبتنا.

هل تمانع أن تصف كيف أعتقلك الألمان؟

بكل سرور. كنا بداخل أخدود عميق مثل خنادق الحرب العالمية الأولى، وقد نفذ منا الطعام وتجمع الثلوج من حولنا وقال أحدنا أننا قد نكون في لوكسمبورغ.

من المقصود بـ”كنا”؟

٦ أفراد من كتيبة الكشافة وحوالي خمسون شخصًا لم نلتق بهم من قبل كما أنه بإمكان الألمان رؤيتنا، فقد تحدثوا إلينا عبر مكبرات الصوت وقالوا إن وضعنا ميؤس منه، وحديث من هذا القبيل. حدث هذا عندما قمنا بتثبيت الحراب، بدا وضعًا خاطئًا لبضع دقائق.

كيف ذلك؟

ستصبح كالنيص محاطاً بهذه الأشواك الحادة في الحقيقة أشفق على أي شخص عليه أن يأتي بعدنا.

لكنهم جاؤوا على أي حال ؟

لا. بدلاً من ذلك أرسلوا ثمان وثمانين قذيفة. انفجرت بأعلى الأشجار وكانت أصوات الانفجارات عالية جداً فقد أطلقت فوق رؤسنا مباشرة، وأمطرنا بشظايا صلبة أصابت البعض. مرة أخرى أمرنا الألمان أن نخرج قلنا “حسنًا” و“خذوا الأمور ببساطة” وما إلى ذلك لم نصرخ رفضا، أو أي شيء من هذا القبيل. وعندما أظهر الألمان أنفسهم كانوا يرتدون بدلات بيضاء لتمويهنا لكن لم يكن لدينا أي شي مقارب لهذا اللباس كنا نرتدي الزيتوني الفاتح بغض النظر عن أي فصل من السنة لكننا لم نرتدي غيره.

مالذي قاله الألمان؟

قالوا إن الحرب انتهت بالنسبة لنا، ونحن محظوظون، كوننا واثقين الان بأننا سوف نعيش طيلة أمد الحرب ويبدو أنهم كانوا على يقين تام بذلك. ولكن في الواقع، مع تعقد الأمور ربما أنهم قُتلوا أو أسروا من قبل جيش باتون الثالث في غضون الأيام القليلة المقبلة. 

هل تتحدث الألمانية؟

لقد سمعت والديّ يتحدثناه كثير، لكنهم لم يعلموني إياها، حيث كان هناك غضب ضد كل مايتعلق بالألمان في أمريكا خلال الحرب العالمية الأولى. استخدمت بعض الكلمات التي التقطتها من خاطفينا وسألوني اذا ماكنت ألمانيا فأجبت بنعم، وأرادوا أن يعرفوا لماذا أقف في حرب ضد إخوتي.

وبماذا أجبت؟

وجدت أن السؤال ينم عن جهل وأنه سؤال مضحك بعض الشيء. قام والديَّ بابعادي تماما عن ماضيّ الألماني، إلى درجة أنه لو كان خاطفي بوليفيين او تبتيين لما عرفت الفرق.

بعد أن قبض عليك، تم إرسالك إلى دريسدن؟ 

العربات التي تم اقتيادنا بها إلى هناك بدت كأنها التي أقلت اليهود والغجر وشهود يهوه وغيرهم إلى معسكرات الإبادة، لكن بالنهاية مازالت عربات نقل. وبالليل هاجمنا البريطانيون عدة مرات بقذائف الموسكيتو، معتقدين أنّنا أحد أنواع الأسلحة الاستراتجية، واستهدفوا حينها سيارة بداخلها معظم ضباط كتيبتنا. وعليّ الاعتراف بأني في كل مرة أقول فيها أنني أكره الضباط، ومازلت أقولها كثيرا، كان علي أن أذكر نفسي أنه لم ينجو أيًا من ضابط من الذين قمت بخدمتهم. كما صادَفنا عيد الميلاد في مكان ما هناك.

وبالنهاية وصلت إلى دريسدن.

أولًا، كنا في سجن جنود ضخم في جنوب دريسدن، وحينها تم فصل الجنود عن ضباط الصف والضباط. بموجب مادة في اتفاقية جنيف، وهي وثيقة إدواردية تقر على أنه يتعين على الجنود العمل بها، كي يحافظوا عليها كان على الجميع أن يقبع في السجن ولأني من الجنود تم إرسالي إلى دريسدن.

ما هو انطباعك عن المدينة قبل القصف؟

أجمل مدينة شاهدتها على الإطلاق. مدينة مليئة بالتماثيل وحدائق الحيوان مثل باريس. كنا نقيم في مسلخ، داخل حظيرة خنازير اسمنتية رديئة وغير مستخدمة. وضعوا لنا أسرة ذو طوابق مفروشة بالقش بداخل الحظيرة، وكنا نذهب كل صباح للعمل في مصنع لشراب الشعير، وهو شراب مخصص للنساء الحوامل.

انطلقت حينها صفارات الإنذار اللعينة وكنا قد سمعنا أن هناك مدينة أخرى تشهد نفس الشيء. لكننا لم نتوقع حصول ذلك فعدد ملاجئ الغارات الجوية في المدينة قليل جدًا، و لا توجد مصانع حربية، فقط مصانع السجائر والمستشفيات ومصانع الكلارينيت. و في ١٣ فبراير ١٩٤٥م انطلقت صفارات الإنذار ونزلنا حينها طابقين تحت السطح حيث يوجد خزانة لحم كبيرة، الجو كان باردا هناك، والجثث معلقة في كل مكان. وعندما  صعدنا كانت المدينة قد اختفت.

ألم تختنقوا بداخل خزان اللحوم؟

لا، لقد كانت واسعة جدًا، ولم يكن عددنا كبير. والهجوم أيضا لم يبدو كجحيم ففي البداية أسقطوا المتفجرات ليزلولوا كل شيء ثم نشروا المواد الحارقة، وما ان سقطت على درسدن حتى أصبحت عبارة عن حطام؛ اللعنة أحرقوا المدينة بأكملها!

ما الذي حصل حينما صعدت للأعلى؟

كان حراسنا من ضباط صف – رقيب، عريف وأربعة جنود؛ بلا قائد ولا مدينة فقد كانوا من مدينة درسدن يقاتلون على جبهتها وأرسلوا إلى أوطانهم من أجل المهمات السهلة. أبقونا تحت الملاحظة لبضع ساعات ولم يكن لديهم علم عمّا يجب عليهم فعله. ذهبوا وتحدثوا مع بعضهم البعض، وأخيرًا، قمنا بشق الطريق عبر الأنقاض وقاموا بإيوائنا في إحدى الضواحي مع بعض الأشخاص من جنوب إفريقيا.

وكتدبير صحي؛ كنا في كل يوم نتجول فيه في المدينة نقوم بحفر الطوابق السفلية والملاجئ لإخراج الجثث. عندما دخلنا لاحدى الملاجئ بدا أنه ملجأ نموذجي وقبو عادي كما هو بالمعتاد، لكن الأمر أشبه بعربة نقل ممتلئة بالأشخاص الذين أصيبوا بسكتة قلبية في آنِ واحد. مجموعة من الأشخاص يجلسون على مقاعدهم وجميعهم فارقوا الحياة. يالها من عاصفة نارية مدهشة، فالقصف لا يأتي بشكل طبيعي بل يتغذى من الأعاصير التي تحدث في وسطه ولا يوجد أي شيء يمكن للشخص استنشاقه.

أخرجنا الجثث الى الخارج، حملناهم في عربات ونقلوا إلى الحدائق، وهي مناطق كبيرة مفتوحة في المدينة لم تكن مليئة بالأنقاض. تم حرق الجثث لمنع انتشار الأمراض والروائح النتنة، و جرت عدة جنائز في المانيا لحرق الجثث. وتم إخفاء مائة وثلاثين ألف جثة تحت الأرض و كانت عملية اخفائهم مروعة.

ذهبنا للعمل ونحن محاطين بجنود ألمان حتى لا يتمكن المدنيون من رؤية مانحن بصدد فعله. فبعد عدة أيام بدأت تنبعث روائح من المدينة وتم افتعال أسلوب جديد، فالحاجة أم الاختراع. كنا نقتحم الملاجئ ونقوم بتجميع الأدوات الثمينة من حضن الأشخاص بدون تحديد هويتهم وتسليمها للحراس. ثم يأتي الجنود ومعهم قذائف اللهب ويقفون أمام الباب ويحرقون الناس بالداخل. وكانت السياسة المتبعة وقتها “اجلب الذهب والمجوهرات ثم احرق جميع من بالداخل”.

يا له من انطباع من شخص يفكر في أن يصبح كاتباً!

كان شيء مروع شي من ضرب الخيال ان أرى كل هذا. كانت لحظة لانكشاف الحقيقة أيضًا، لأن المدنيين الأمريكيين والقوات البرية لم يكن لديهم علم أن القاذفات الأمريكية كانت متورطة كذلك في هذا القصف. لقد ظل سرًا حتى وقت قريب جدًا من نهاية الحرب وكان أحد أسباب إحراقهم درسدن هو أنهم قد أحرقوا بالفعل كل شيء آخر.

تعلمون “مالذي سنفعله الليلة؟” وهنا كان الجميع يستعد وألمانيا مازالت تقاتل وهذه كانت الألية المستخدمة لإحراق المدن. كانت آلية سرية لحرق المدن و جعلها تغلي واشعال النار بالعربات. وكان هناك هراء يقال حول جهاز تصويب القنابل في نوردن. ستشاهد في الأخبار مفجر يقف بقرب من أحد النواب حاملا مسدس من نوع دراون ٤٥. هذا هو نوع من الهراء والجحيم الذي كانوا يقومون به. مئات الطائرات تحلق فوق المدن ويسقطون كل شيء عليها.

عندما ذهبت إلى جامعة شيكاغو بعد الحرب ، قام الرجل الذي استجوبني للاعتراف بقصف درسدن. عندما وصل إلى ذلك الجزء من قصة حياتي وقال: “حسنًا، لقد كرهنا أن نفعل ذلك”. لقد علقت هذه الملاحظة في ذهني.

أو رد آخر من ممكن أن يكون “لقد أمرنا بذلك”

كان رده أكثر إنسانية. أظنه شعر أن القصف أمر لابد منه وربما كان كذلك. الشيء الوحيد الذي تعلمه الجميع مدى سرعة إعادة بناء المدينة، قال المهندسون أن إعادة بناء ألمانيا سيستغرق ٥٠٠ عام لكن في الواقع استغرق الأمر ١٨ أسبوع.

كونك مررت بهذه التجرية هل تنوي الكتابة عنها؟

عندما تم هدم المدينة لم يكن لدي أي فكرة عن حجم ما حدث. سواءً مالذي يبدو عليه بريمن هامبورغ أو كوفنتري، الأخيرة لم أزرها قط لذلك لم يكن لدي أي تصور سوى الذي شاهدته في التلفاز. عندما عدت إلى الوطن، كنت كاتباً في صحيفة (كورنيل صن)، إلا أنه كان هناك مساحة لكتاباتي ففكرت أن أكتب قصتي عن الحرب. فجميع أصدقائي عادوا إلى مدنهم ولديهم مغامرات رائعة. ذهبت إلى مكتب الصحيفة (Indianapolis News) وقمت بالبحث عما لديهم عن دريسدن. وجدت قطعة بطول نصف بوصة مكتوب عليها عبرت طائراتنا فوق مدينة دريسدن وفقدنا اثنتين منها. استنتجت أن هذه هي أدق التفاصيل التي تم ذكرها عن الحرب العالمية الثانية وكان لدى الأخرين الكثير ليكتبوا. أتذكر و أغبط (آندي روني) الذي هرول سريعًا إلى المطبعة في ذلك الوقت، لم أكن أعرفه ولكن أظن أنه أول شخص قام بنشر قصته عن الحرب بعد انتهاءها تحت مسمى (Air Gunner). 

يا إلهي لم أحظى بمغامرة كلاسيكية كهذه. لكن في كثير من الأحيان أقابل أوروبيًا ونتكلم عن الحرب وعندما أخبره أنني كنت في درسدن تظهر ملامح الدهشة على وجهه ويتحمس لمعرفة المزيد. بعد ذلك، تم نشر كتاب للكاتب (ديفيد إيرفينغ) عن درسدن، يقول فيه أنها كانت أكبر مذبحة في التاريخ الأوروبي. قلت، أقسم بذلك، لقد عاصرت كل شيء! و سأحاول كتابة قصتي الحربية، سواءً كانت ممتعة أم لا، وأحاول أن أقدم شيء ما. بدأت بوصف العملية، بشكل بسيط في مقدمة رواية (المسلخ رقم 5) ورأيت أن يكون أبطالها (فرانك سيناترا) و(جون واين)، لكن بنهاية الأمر قالت فتاة تدعى (ماري أوهير)، زوجة صديقي وكانت متواجدة معي آنذاك: “لقد كنتم مجرد أطفال. ليس من العدل التظاهر بأنكم كنتم رجال مثل (واين) و(سيناترا)، وليس من العدل للأجيال المقبلة كذلك أن تظهر الحرب بصورة جيدة”. لقد كان ذلك استنتاج مهم للغاية بالنسبة لي.

هذه الفكرة قامت بتحويل كامل اهتمامك.

لقد جعلتني أكتب بحرية لكوننا أطفالا حينها: السابعة عشر، الثامنة عشر، التاسعة عشر، العشرون، الحادي والعشرون. كانت وجوهنا طفولية وكسجين لا أذكر أنني حلقت كثيراً وبالحقيقة لم تكن مشكلة.

سؤال آخر عن الحرب: أمازلت تفكر في القنابل الحارقة التي ألقيت على دريسدن؟

كتبت عنه في كتابي (المسلخ رقم 5) الكتاب لايزال في المطبعة. وكوني رجل أعمال، عليّ بين الحين والآخر، أن أفعل شيئًا حيال هذا الأمر. طلب مني (مارسيل أوفلس) أن اشارك في فلمه (ذاكرة العدالة)؛ أن أتحدث عن درسدن باعتباره عملاً وحشيًا. بدلًا من ذلك أخبرته أن يتحدث مع صديقي (برنارد ف. أوهير)، زوج (ماري)، وهذا ما فعله. كان (أوهير) من زملائي في فرقة الكشافة، ثم زميلي أيضا كأسير حرب. و الآن هو محام في ولاية بنسلفانيا .

لماذا لا ترغب بإدلاء شهاتك؟

أحمل اسمًا ألمانيًا. ليس لدي رغبة بأن أدخل في جدال مع أناس يرون أن دريسدن تستحق ماحدث لها. كل ماذكرته في كتابي أن دريسدن تعرضت لقصف حد الجحيم سواءً قبِلنا بذلك أو لا.

كانت أكبر مذبحة في التاريخ الأوروبي، أليس كذلك؟

كانت أسرع عملية قتل لهذا الكم الهائل من الأشخاص؛ حيث قتل 135 ألف في غضون ساعات. بالطبع كانت هناك خطط للقتل بشكل أبطأ.

تعني معسكرات الإبادة.

نعم، لقد قتل الملايين في نهاية المطاف. لكن يرى الكثيرين أن مذبحة دريسدن باعتبار أنها صحيحة، إلا انها كانت محدودة للغاية مقارنة بما قامت به المعسكرات. وكما قلت أنني لا أختلف أبدًا في هذه النقطة، فقد لاحظت مرارًا أن عقوبة الإعدام كانت مطبقة على أي شخص يتواجد في المدن التي تفتقر إلى وسائل دفاعية؛ أطفال، كبار السن، حدائق الحيوانات، والآلاف المؤلفة من النازيين المتطرفين، وبالطبع من ضمنهم أنا وصديقي المقرب (برنارد ف. أوهير). كنا يجب أن نكون ممن تم تصفيتهم جسديًا. فكلما زادت الجثث صح الانتقام.

نشرت مكتبة فرانكلين على ما أعتقد، نسخة ممتازة من كتاب (المسلخ رقم 5).

نعم فقد طلبوا مني كتابة مقدمة جديدة للكتاب.

هل لديك أي أفكار جديدة؟

لقد قلت أن هناك شخص واحد استفاد من هذه الغارة التي كلفت ملايين الدولارات. فالغارة لم تقصر أمد الحرب حتى لنصف ثانية، ولم تضعف الدفاع أو الهجوم الألماني قط، ولم تحرر شخصًا واحدًا من معسكر الإبادة. فقط شخص واحد هو المستفيد ليس اثنان أو خمس او عشرة فقط واحد. 

ومن هو ذلك الشخص؟

أنا. لقد حصلت على 3 دولارات عن كل شخص قتل. هل لك أن تتخيل ذلك؟

ما مدى التقارب الذي تشعر به بينك وبين أقرانك؟

أتقصد إخواني وأخواتي الكتاب؟ هي ودية بالطبع ولكن من الصعب أن أتحدث إليهم لكوننا نحمل اهتمامات مختلفة، هذه معضلة لي لفترة من الزمن لكن بعد ذلك صادقت (شاول شتاينبرغ).

الفنان الجرافيكي؟

بالطبع. قال “أن في جميع الفنون تقريبًا، هناك أشخاص لديهم تأثير واسع في تاريخ الفن، عن طريق نجاحاتهم وإخفاقاتهم وتجاربهم السابقة، وآخرين ممن لم تسنح لهم الفرص لكل هذا”. أضم نفسي مع المجموعة الثانية، فلم أتمكن من ممارسة الأنشطة مع أسلافي الأدباء. لأنني لم أتعلمها بشكل جيد. درست الكيمياء في جامعة كورنيل ثم الأنثروبولوجيا في جامعة شيكاغو. كنت بعمر 35 قبل ان أصبح مهووساً بـ(بليك). وبالاربعين  قبل أن أقرأ عن (مدام بوفاري) وسمعت عن (سيلين) بالخامسة والاربعين. وكنت محظوظا حينما قرأت (Look Homeward, Angel) بالوقت المناسب.

متى؟

في الثامنة عشرة.

لابد أنك كنت تقرأ باستمرار؟

نعم فعلًا. لقد نشأت في منزل مكتظ بالكتب. لكنني لم أضطر أبدًا إلى قراءة كتاب لزيادة محصولي الأكاديمي ،ولا لكتابة مقالة حول موضوع معين، ولم أضطر يومًا لإثبات أنني فهمته ضمن أي مؤتمر. لست بارعًا في مناقشة الكتب وخبرتي في هذا الأمر معدومة.

أي فرد من أفراد عائلتك كان له التأثير الأكبر عليك ككاتب؟

أعتقد أمي، (إديث ليبر فونيجوت). بعد أن خسرت عائلتنا جميع الأموال تقريبًا في فترة الكساد الكبير. اعتقدت والدتي أنه يمكنها أن تجني ثروة جديدة عن طريق الكتابة في المجلات اللامعة، أخذت دورة في كتابة القصص القصيرة بالليل، وقامت بدراسة المجلات كدراسة المقامرين لأوراق اللعب. 

لقد كانت غنية ذات مرة؟

والدي، مهندس معماري بسيط، تزوج واحدة من أغنى الفتيات في المدينة. وكانت هناك ثروة على وشك النهوض مرتكزة على Lieber Lager Beer وبعد ذلك Gold Medal Beer. Lieber Lager Beer أصبحت Gold Medal Beer بعد أن فازت بجائزة في احد معارض باريس.

لابد أنها بيرة جيدة جدا.

لم أتذوقها أبدًا. كان قبيل زماني بوقت طويل. ولكن على حد علمي كانوا يضعون فيه مكون سري لم يسمح أيًا من جدي وخبير الخمور لأي شخص من مشاهدة ما كانوا يضعونه.

هل تعلم ماهو؟

القهوة.

درست والدتك كتابة القصص القصيرة؟

ووالدي يقوم برسم اللوحات في الاستديو الذي أنشأه في الطابق العلوي من المنزل. لم يكن هناك الكثير من العمل للمهندسين المعمارين خلال فترة الكساد الكبير. في الحقيقة لم يتوفرعمل لأي شخص. ومن الغريب رغم ذلك أن أمي كانت على حق؛ فحتى الكتاب في المجلات العادية كانو يجنون كميات وفيرة من المال.

لذا اتخذت والدتك موقفًا فعليًا تجاه الكتابة.

ليس بشكل تام. بالمناسبة كانت امرأة ذكية مثقفة. التحقت بنفس المدرسة الثانوية التي كنت فيها وكانت من القلائل الذين لم يحصلوا سوى على العلامة الكاملة حينما درست هناك. اتجهت بعد ذلك شرقا لاكمال دراستها ثم جالت أوروبا. كانت تتحدث الألمانية والفرنسية بطلاقة، ومازلت أحتفظ بتقاريرها الدراسية في مكان ما “علامة كاملة، علامة كاملة، علامة كاملة”. كانت كاتبة جيدة لكن تبين أنها لم تكن تملك موهبة في الابتذال التي تتطلبها المجلات اللامعة، ومن حسن الحظ أني ولدت محملا بهذه الموهبة، فحينما كبرت تمكنت من تحقيق حلمها كتبت لـ(Saturday Evening Post) ،(Cosmopolitan) وغيرها من المجلات، كان أمرا سهلا بالنسبة لي أسهل من السقوط من على لوح خشبي. تمنيت فقط انها مازالت حية حتى ترى ماكتبت و لكي ترى أحفادها أيضا فقد اصبح لديها عشرة أحفاد، لكن لم تتمكن من رؤية أي أحد منهم. لقد حققت حلمًا اخرًا لها: عشت في كيب كود لسنوات عديدة. كانت دائما ما تريد أن تعيش في كيب كود. من الشائع جدًا أن يحاول الأبناء تحقيق أحلام أمهاتهم المستحيلة. لقد تبنيت أبناء أختي بعد وفاتها، ومن المخيف رؤيتهم وهم يحاولون تحقيق أحلامها المستحيلة.

ماهو حلم شقيقتك؟

أرادت أن تعيش كأنها عضو في العائلة السوسرية روبنسون مع حيوانات أليفة في بيئة منعزلة جدا. ابنها الأكبر جيم يقوم برعي الأغنام بسفوح جبال جامايكا منذ 8 سنوات. بلا هاتف ولا كهرباء.

ارتدت انت ووالداتك ثانوية Indianapolis 

ووالدي ثانوية Shortridge

كانت لديهم صحيفة يومية، على ما أعتقد.

نعم فعلا. The Shortridge Daily Echo. يوجد هناك محل طباعة في المدرسة. بعد المدرسة كان بعض الطلبة يكتبون المقالات واخرون يعدونها للطباعة.

لقد ضحكت للتو على شيء ما.

موقف تافه تذكرته، حصل في الثانوية لا علاقة له بالكتابة.

هل ترغب بأن تشاركه معنا على أية حال؟

أوه! كنت قد تذكرت أمرا حصل في المرحلة الثانوية، في صف التربية المدنية، مادة تتحدث عن كيفية عمل حكوماتنا. طلب منا الأستاذ أن نقف تباعا ونقول مالذي قمنا بعمله بعد المدرسة. كنت أجلس في آخر الفصل، بجوار شخص يدعى (ج. ت. ألبيرغر)، أصبح فيما بعد يعمل كموظف تأمينات في لوس انجلوس، توفي في وقت قريب. على أية حال، كان يشير إلي ويحثني ويتحداني أن أقول الحقيقة. حتى أنه عرض عليا خمسة دولارات لذلك. كان يرغب أن أقف و أقول: “أنا أبني مجسمات الطائرات وأستمني”.

فهمت.

قمت بالعمل أيضا في The Shortridge Daily Echo

هل كان العمل هناك ممتعا؟

ممتع ومريح. وجدت دائما أن الكتابة سهلة. فقد تعلمت أن أكتب لزملائي عوضا عن المعلمين، أغلب الكتاب المبتدئين لم تسنح لهم فرصة الكتابة لأقرانهم، فأنت بذلك تفتح باب الحجيم على نفسك.

إذا بعد الظهيرة دائما ماتذهب إلى مكتب Echo

نعم. وذات مرة بينما كنت أكتب وانا شارد الذهن صادف أن قمت بشم إبطي، وقد شاهدني العديد من الأشخاص وأنا أفعل ذلك ووجدوه أمرًا مضحكا، ومنذ ذلك الحين لقبت بـ“الشمام”.

وفي حفل التخرج السنوي عام 1940, أدرج اسمي كـ(كورت “الشمام” فونيجت، الابن). في الحقيقة لم أكن شمام. فالشمام هو الشخص الذي يحوم حول مقاعد دراجات الفتيات ويستنشقها. ولم اكن افعل ذلك.

“Twerp” أيضا له معنى محدد جدًا ، يعرفه قليل من الناس الآن. نتيجة لقلة تداوله، يعد “Twerp” الآن إهانة عديمة الشكل إلى حد كبير.

ما هو “Twerp” بالمعنى الدقيق للكلمة ، بمعناه الأصلي؟

هو الشخص الذي يقوم بإدخال طقم الأسنان الاصطناعية بين عضلات مؤخرته.

فهمت.

أستسمحك عذرًا بين عضلات مؤخرته أو مؤخرتها. دومًا ما أسيء للنسويات بهذه الطريقة.

لا أفهم لم قد يفعل الشخص شيئا كهذا بأسنانه الاصطناعية.

حتى يقتلعوا الأزرار من مقاعد سيارات الأجرة، هذا ما يثيرهم جنسيًا.

التحقت بجامعة كورنيل بعد جامعة Shortridge؟

أتصور ذلك.

تتصور ذلك؟

كان لي صديق يشرب الكحول بكثرة. وإذا ما سأله أحدهم إذا كان قد شرب في الليلة الماضية، كان يجيب باستمرار وبشكل عابر: “أوه، أتصور ذلك”. لقد أحببت دائما هذه الإجابة. إني أعتبر الحياة كحلم، وكورنل كان حلمًا مزعجًا. جزء منه بسبب الكحول نفسه، والآخر كوني التحقت بمجال لا املك فيها أي موهبة. اتفق أبي وأخي على أنني يجب أن أدرس الكيمياء، كون أخي كان جيدًا في المواد الكيميائية في M.I.T. هو أكبر مني بثماني سنوات. وأكثر مرحًا أيضًا. أهم اكتشافاته الشهيرة هو أن يوديد الفضة يُكوّن في بعض الأحيان المطر أو الثلج.

هل كانت أختك مرحة أيضا؟

أوه. نعم كان لديها طبع قاس غريب فالدعابة التي تمتلكها لم تتناسب مع بقية شخصياتها. كلما سقط أي شخص تراها تضحك بشكل هستيري. وفي إحدى المرات شاهدت امرأة تخرج من الحافلة بشكل أفقي، وضحكت على هذا الأمر لأسابيع .

بشكل أفقي؟

نعم صحيح. يبدو أن حذاء هذه المرأة علق بطريقة ما. على أي حال، فُتح باب الحافلة، وصادف أن أختي كانت تراقب من الرصيف، ثم رأت هذه المرأة تخرج أفقيًا؛ بشكل مستقيم مثل لوح، وجهها للأسفل، وقدماها بعيدتان عن الأرض.

والكوميديا التهريجية؟

بالطبع. أحببنا (لوريل) و(هاردي) هل تعلم ماهي اطرف المواقف التي تحصل في الفيلم؟

لا.

أن يكون لديك شخص يمشي من خلال ما يشبه بركة صغيرة ضحلة، ولكن في الواقع هي بعمق ستة أقدام. أتذكر في الفيلم حينما كان (كاري غرانت) يتجول في المروج الخضراء ليلًا. جاء إلى شجيرة صغيرة، قام بتشذيبها بجمال، الا أنه في الجانب الآخر كان هناك منحدر طوله 25 قدم في الجهة الأخرى. لكن ما أحببته أنا وأختي على وجه الخصوص، هو عندما يغضب شخص على البقية ثم يعصف بغرفة المعاطف، يعود بعدها عاصفًا متشابكًا في العلّاقات والأوشحة.

هل حصلت على شهادة في الكيمياء من جامعة كورنيل؟

رسبت في جميع المواد في منتصف دراستي بالسنة الثالثة. كنت مسرورا لالتحاقي بالجيش والذهاب للحرب. بعد الحرب التحقت بجامعة شيكاغو، سعدتُ بدراستي للانثربولوجيا، وهو علم معظمه من الشعر لا يكاد يوجد فيه أي مادة رياضية. كنت متزوجًا آنذاك، وسرعان ما أنجبت طفلي الأول وهو (مارك). الذي أصيب بالجنون لاحقا ونشر كتاب عظيم عن تلك المرحلة فيما بعد اسمه (The Eden Express)، أنجب للتو طفلا وهو أول حفيد لي، صبي اسمه (زاكاري). ينهي الآن (مارك) سنته الثانية في كلية الطب في جامعة هارفاد، وسيكون الطالب الوحيد من دفعته غير مديون للجامعة عند تخرجه بسبب كتابه. واعتبره تعافٍ جدير بالاحترام بعد هذه النكسة.

هل ساهمت دراستك للانثربولوجيا في تنويع كتاباتك؟

رسخ إلحادي والذي كان معتقد آبائي على كل حال. كان يجري عرض الأديان ودراستها وكأنها من ابتكارات (روب غولدبرغ) مثلما ظننت دائما. لم يسمح لنا باعتبار ثقافة ما متفوقة على أي ثقافة أخرى، وكنا نفتح على أنفسنا أبواب الجحيم في حال ذكرنا للأعراق. كان الوضع مثاليا للغاية.

هل كان أشبه بديانة؟

بالضبط. وهي الديانة الوحيدة، بالنسبة لي، حتى الان.

ماهي أطروحتك العلمية؟

(مهد القطة).

لكنك كتبته بعد أعوام من مغادرتك لشيكاغو، أليس كذلك؟

غادرت شيكاغو وانا لم أكتب رسالتي ولم أحصل على شهادة. جميع الأفكار الذي طرحتها للرسالة رفضت وكنت محبطًا. حصلت على وظيفة موظف علاقات عامة في شركة (جينيرال إلكترونيك) في سكينيكتدي.

بعد 20 عاما تلقيت رسالة من عميد جديد للجامعة والذي كان يبحث في ملفي، أخبرني وفقا لقوانين الجامعة يمكن الاستعاضة عن الأطروحة بنشر عمل عالي الجودة. لذلك كان يحق لي أن أحصل على درجة الماجستير. وقد عرض (مهد القطة) لقسم الانثربولوجيا، وقالوا انه يعتبر عملا انثربولوجياَ بنسبة لا بأس بها. فقاموا بارسال شهادتي عبر البريد الإلكتروني. كنت خريج عام 1972 أو شيء من ذلك.

تهانيا.

ليس شيئًا يستحق الذكر. كان أمرا في غاية السهولة.

بعض الشخصيات في (مهد القطة) كانت لأشخاص تعرفت عليهم في (جينيرال الكتريك)، أليس كذلك؟

الدكتور (فيليكس هونيكر)، أعرف عنه القليل. هو عالم شارد الذهن، كان شخصية كاريكاتورية للدكتور (إيرفينج لانجموير) نجم فريق معمل الأبحاث في (جينيرال الكتريك)، عمل معه شقيقي. كان (لانغموير) شارد الذهن بشكل فضيع. لقد تساءل إحدى المرات بصوت عال: “إذا قامت السلاحف بسحب رأسها للداخل هل عامودها الفقري يلتوي أو يتقلص؟” وقد أضفت هذا في الكتاب. وأضفت عنه أيضا أنه ذات مرة ترك بقشيشا تحت صحنه حينما قامت زوجته بتقديم الفطور له. ومن أهم إسهاماته كانت فكرة اسميتها “ايس-9” هي أحد أشكال المياة المتجمدة في درجة حرارة الغرفة. لم يخبرني عنها مباشرة. لقد كانت خزعبلات حول المختبر، في الوقت الذي جاء فيه (هربرت جورج ويلز) إلى سكينيكتدي. كان ذلك منذة فترة طويلة قبل مجيئي إلى هناك، كنت حينها مجرد طفل أستمع إلى الراديو وأصنع طائرات صغيرة.

حسنا؟

على أية حال، جاء (ويلز) إلى سكنيكتادي، وتم إخبار (لانجمور) بأن يستضيفه. اعتقد (لانجمور) أنه ربما يستطيع أن يسلي (ويلز) بفكرة عن قصة للخيال العلمي؛ حيال نوع من الجليد الذي تجمد ولم يذب في درجة حرارة الغرفة. لم يهتم (ويلز) بالفكرة أو على الأقل لم يستخدمها أبدا. مات (ويلز) وبعده (لانجمور). ثم قلت في نفسي: “من وجد الشي فهو له، فالفكرة ملكي الان”. بالمناسبة (لانجمور) كان أول عالم في القطاع الخاص يفوز بجائزة نوبل.

ما هو شعورك حيال فوز (بيلو) بجائزة نوبل للآداب؟

كان من أفضل الطرق الممكنة لتكريم أدبنا بأكمله

هل كان من السهل عليك التحدث إليه؟

نعم، لقد أتيحت لي ثلاث فرص لمحادثته. كنت في ضيافته في جامعة أيوا، كنت أستاذا وكان محاضرا. سارت الأمور فيما بيننا على مايرام وكانت لدينا أمور مشتركة على كل حال.

ماهي هذه الأمور؟

على حد علمي، أن كلانا من قسم الأنثروبولوجيا بجامعة شيكاغو. لم يسبق له الذهاب لأي رحلات استكشافية في الأنثروبولوجيا، وأنا كذلك. واختلقنا شعوب لما قبل الصناعة؛ أنا في (مهد القطة) وهو في (هندرسون، ملك المطر).

إذا، هو زميلك العالم.

لست عالمًا، وأنا مسرور بذلك الآن، بعد أن تعرضت للضغوطات من قبل أبي و أخي لأصبح عالمًا. أنا أفهم كيفية الاستدلال العلمي، والعمل المسلي، مع ذلك ليس لدي الموهبة الكافية للانضمام اليه. أستمتع بالعمل في الشركات العلمية، أشعر بالسعادة والحماس حينما يخبروني بما يقومون به. قضيت أوقاتي مع العلماء أكثر بكثير مما قضيته مع الأدباء، وكانوا أغلبهم أصدقاء أخي. أستمتع أيضًا بالسباكة والنجارة ومكانيكا السيارات. لم أتعرف إلى أي شخص أدبي إلا في آخر عشر سنوات ابتداءً من العامين التي قمت فها بالتدريس في أيوا. وبشكل غير متوقع كنت صديق (نيلسون ألغرين) و(خوسيه دونوسو) و(فانس بورخيلي) و(دونالد جوستيس) و(جورج ستاربوك) و(مارفين بيل)، لقد كنت مذهولا حقا. الآن، واستنادًا إلى التقييمات التي تلقاها كتابي الأخير (كوميديا تهريجية)، فإن الناس يرغبون في إخراجي من المؤسسة الأدبية، وإعادتي للمكان الذي أتيت منه. 

كانت هناك بعض التعليقات سيئة؟ 

فقط في (The New York Times)، (Time)، (Newsweek)، (Rolling Stone)، (Village Voice)، (The New York Review of Books)، وأحبوني في (مديسين هات).

إلى ماذا تعزو هذا الحقد؟

(كوميديا تهريجية) كان كتاب سيئًا جدًا، وأنا على استعداد تام لقبول ذلك. الجميع يكتب كتب رديئة فلماذا لا أقوم أنا بذلك؟ ماكان غير اعتياديًا في التعليقات هو أنهم أرادوا من الناس الاعتراف بأني لم أكن جيدًا على الإطلاق. وبالفعل لقد طلب المراجع في صحيفة (صنداي تايمز) من النقاد الذين أشادوا بي في الماضي أن يعترفوا الآن علنًا بمدى خطأهم. حاول ناشر كتابي، (سام لورانس)، أن يريحني بالقول إن المؤلفين يتعرضون لهجوم دائمًا عندما يصبحوا أثرياء.

كنت بحاجة الى نوع من الطمأنينة؟

لم أشعر بشعور أسوأ في حياتي. شعرت أنني عدت مجددًا لأنام وافقا على عربة النقل في ألمانيا.

بهذا السوء؟

لا، ولكنها سيئة كفاية. فالنقاد بشكل مفاجئ أرادوا أن يسحقوني كالحشرة. وليس هذا فحسب، بل فجأة، لم يكن لدي المال أيضا. وهناك شكاوي سرية بأني كنت بربريا، وكتبت الكتاب بدون إجراء دراسة منهجية للأدب العظيم، ولست محترمًا نظرا لأني كنت كاتبًا مأجورًا مسرورٌ للغاية في المجلات اللامعة. ولم أقم بسداد رسومي الدراسية.

ألم تعاني؟

حسنا، لقد عانيت. ولكن كشخص تلقى تعليمًا سيئًا في شركة وتجارة مبتذلة. كان من العيب أن أفسد الفن من أجل المال. وبعد ذلك تجاوزت تلك المعضلة بأن أصبحت فاحش الثراء. كان أمرا سيئا للغاية بالنسبة لي وللجميع، لكن اسمي كان يضج في المطابع لذا جميعنا عالقون بي وبكتبي.

هل تعني بذلك أنك عدت من جديد؟

بطريقة ما. أنا الآن عضو في مجلس ولاية نيويورك للفنون، وكثيرًا ما يتحدث بعض الأعضاء الآخرين عن إرسال إشعارات إلى أقسام اللغة الإنجليزية بالكلية حول بعض الفرص الأدبية، وأقول: “أرسلهم إلى أقسام الكيمياء، وأرسلهم إلى دوائر علم الحيوان، أرسلهم إلى أقسام الأنثروبولوجيا وأقسام علم الفلك والفيزياء، وجميع كليات الطب والقانون. هذا هو المكان المحتمل أن يكون فيه الكتاب”.

كنت تؤمن بذلك؟

أعتقد أنه من الممتع للغاية أن يكون لمؤلف الأدبيات شيء آخر في ذهنه غير تاريخ الأدب. الأدب لا يجب أن يخفى بداخل حماقات خاصة، إن صح التعبير.

دعنا نتحدث عن المرأة في كتبك.

لايوجد أي واحدة. لا نساء، في الواقع، ولا حب.

ألا يستحق الامر تفسيرًا؟

إنها مشكلة آلية. الكثير مما يحدث عند سرد القصص الآلية، له علاقة بالمشاكل الفنية لكيفية عمل القصة. على سبيل المثال؛ قصص رعاة البقر وقصص رجال الشرطة تنتهي بإطلاق النار، لأن عمليات إطلاق النار هي أكثر الآليات موثوقية لإنهاء هذه القصص. لا يمكننا قول شي مثل الموت، يا له من شي مصطنع حينما يتم دائما قول “النهاية”.

أحاول أن أبعد الحب العميق عن قصصي لأنه بمجرد ظهور هذا الموضوع، يكاد يكون من المستحيل التحدث عن أي شيء آخر. لا يريد القراء سماع أي شيء آخر. يصبحون سذجًا إزاء الحب. إذا فاز العاشق في القصة بحبه الحقيقي، فهذه هي نهاية القصة، حتى لو كانت الحرب العالمية الثالثة على وشك أن تبدأ، والسماء مكتظة بالصحون الطائرة.

يعني ذلك أنك ابتعدت عن قصص الحب!

لدي شي أخر أريد أن اتحدث عنه. (رالف إيلسون) فعل الشيء نفسه في كتاب (رجل خفي)، إذ كان البطل في هذا الكتاب الرائع قد وجد شخصا يستحق الحب؛ شخصا أصبح مهووسًا به، لكان هذا الأمر هو نهاية القصة. و(سيلين) كذلك في to (رحلة إلى نهاية الليلة). لقد استبعد إمكانية الحب الحقيقي والأخير، حتى تستمر القصة بشكل أطول.

ليس هناك الكثير من الكتاب تحدثوا عن آلياتهم في الكتابة.

أنا شخص تكنوقراطي متعصب أؤمن أنه يمكنهم أن يعبثوا بها مثل (فورد موديل تي).

مالهدف؟

لأُكسِب للقارئ متعة في القراءة.

هل تظن أنك ستكتب يوما ما قصة حب؟

ربما. إنني أعيش فعلًا حياة مليئة بالحب. حتى حينما أعيش هذه الحياة المحبة ويسير كل شي بشكل جيد، أجد نفسي في بعض الأحيان أقول: “يا الهي ألا نستطيع التحدث عن أمر آخر لفترة؟” هل تعلم ما هو المضحك حقا؟

لا؟

تم رمي كتبي من المكتبات المدرسية في جميع أنحاء البلاد، لأنها ذات محتوى فاحش كما يزعمون. رأيت إحدى المرات رسالة مرسلة الى الصحف في المدن الصغيرة، طلب منهم أن يضعوا كتاب (المسلخ رقم 5) بنفس قسم مجلات (Deep Throat) و(Hustle). كيف يمكن لشخص أن يمارس العادة السرية في كتاب (المسلخ رقم 5)؟

يشمل جميع الأنواع.

حسنا. غير موجود النوع الديني الذي بلا رقابة. يجددوني شخص لايحترم اعتقادهم عن الآلهة. ويعتقدون أن الحكومة يجب أن تحمي اسم الإله. كل ما أقوله لهم هو حظا موفقا لهم وللحكومة وللآلهة.

هل تعلم مالذي قاله (لويس منكن) ذات مرة عن المتدينين؟ قال أنه أسيء فهمه إلى حد كبير. قال إنه لم يكرههم، بل ببساطة يجدهم ممتعين.

حينما سألتك قبل مدة أي شخص من عائلتك أثر عليك ككاتب، قلت والدتك. كنت أتوقع أن تذكر شقيقتك، لكونك تحدثت عنها كثير في (كوميديا تهريجية).

قلت في (كوميديا تهريجية) بأنني كنت أكتب لأجلها؛ كل شخص مبدع ناجح يضع شخصًا واحدًا من الجمهور في ذهنه. هذا سر التماسك الفني. يمكن لأي شخص تحقيق ذلك اذا قرر/قررت وضع شخص واحد في ذهنه. لم أكن اعلم أنها الشخص الذي أكتب من أجله إلا بعد وفاتها.

كانت تحب الأدب؟

كانت تكتب بطريقة رائعة جدًا. لم تكن تقرأ كثيرًا، لكن في السنوات الأخيرة، قرأت لـ(هنري ديفيد ثورو). وكذلك أبي لم يقرأ كثيرًا ولكن كانت كتاباته أشبه بحلم. شعرت بالخجل حينما قارنت النثر المكتوب في هذه الرسائل التي كتبها أبي وأختي مع تلك التي أكتبها. 

هل حاولت شقيقتك أيضا أن تجني المال مقابل الكتابة؟

لا ، فقد كانت أيضا نحاتة بارعة. وبختها ذات مرة لعدم بذلها المزيد من الجهد، رغم امتلاكها للموهبة. أجابت أن امتلاكك للموهبة لا يفرض عليك القيام بشي ما حياله. كانت عبارة مذهلة بالنسبة لي. دائما ماعتقدت أنه من المفترض أن يتمسك الناس بمواهبهم ويهربون معها بأقصى سرعة ممكنة.

ومالذي تعتقده الآن؟

‏حسنًا. إن ما قالته أختي في السابق، يبدو لي الآن نوعًا من الحكمة النسائية الغريبة. لدي ابنتان تتمتعان بموهبة كبيرة كتلك التي كانت تتمتع بها أختي، وستهلكان إن فقدتا توزانهما وحسّهما الفكاهي، من خلال انتزاع موهبتهما والركض بيأس في سبيلها بأسرع ما يمكن، ولأبعد مكان ممكن. لقد شاهداني وأنا أفعل هذا الشيء، ولا بد من أن هذا قد بدا لهما ضربًا من الجنون.

على الآلة الكاتبة؟

نعم. برأس أحمق يستمتع بالتدخين.

هل توقفت يوما عن التدخين؟

مرتين. إحداهما حينما كنت مدمنا وتحولت إلى (سانتا كلوز)؛ أصبحت قصيرًا وممتلئًا وقارب وزني الـ250 باوندًا. توقفت حينها لقرابة عام. وبعد ذلك أحضرتني جامعة هاواي إلى أواهيو لأتحدث عن التجربة. في إحدى الليالي كنت أشرب جوز الهند على سطح فندق Ili Kai، وكل ما كان علي فعله لاستكمال حلقة سعادتي هو أن أدخن سيجارة. وفعلت!

والمرة الثانية؟

في الآونة الأخيرة، في العالم الماضي بالتحديد. دفعت لمنظمة موقفي الدخان مائة وخمسين دولارًا لمساعدتي على الإقلاع، على مدار ستة أسابيع. وقد كان تماما كما وعدوني، سهلًا ومفيدًا. حصلت حينها على شهادة تخرج وشارة تقدير. المشكلة الوحيدة هي أني أصبحت أيضًا مجنونًا. كنت سعيدًا وفخورًا جدًا بنفسي، لكن من حولي وجدوني عنيدًا بشكل لايطاق، فظًا وصاخبًا. كما أنني توقفت عن الكتابة. فلم أكتب أية رسائل بعد ذلك. ومن الواضح أنها كانت صفقة سيئة. لذلك عدت للتدخين مرة أخرى. وكما اعتادت الرابطة الوطنية للمصنعين أن تقول: “لا وجود لما يسمى بالغداء المجاني”.

هل تعتقد أنه من الممكن حقا أن يتم تعليم الكتابة الإبداعية؟

بنفس الطريقة التي يتم فيها تعلم لعبة الغولف. يمكن للمحترفين أن يشيروا إلى أخطاء واضحة في تسديدتك. وأعتقد أني فعلت ذلك بشكل جيد في جامعة أيوا لمدة عامين. كان كلا من (غايل غودوين) و(جون إيرفينج) و(جوناثان بينر) و(بروس دوبلر) و(جون كيسي) و(جين كاسي) من طلاب الجامعة. و منذ ذلك الحين قاموا بنشر أعمال رائعة. درست الكتابة الإبداعية في هارفارد وبشكل سيء بعد ذلك، لأن زواجي كان ينهار، و كنت أتنقل كل أسبوع إلى كامبريدج من نيويورك. وبعد ذلك قمت بالتدريس بشكل أسوأ من سابقه في سيتي كوليدج قبل عامين. فكان لدي العديد من المشاريع الأخرى القائمة في نفس الوقت. فلم يعد لدي الرغبة في التدريس مجددا. لا أعرف سوى الطريقة النظرية.

هل يمكن أن تضع “النظرية” في بضع كلمات ؟

صرح بذلك (بول إنجل)، مؤسس ورشة الكتاب في ولاية أيوا. أخبرني أنه إذا عثرت على ورشة العمل في مبنى خاص بك، فيجب أن تُدرج هذه الكلمات على المدخل: “لا تأخذ الأمر على محمل الجد”.

وكيف سيكون ذلك مفيدًا؟

من شأنه أن يذكر الطلبة بأنهم كانوا يتعلمون أداء دعابات عملية.

دعابات عملية؟

إذا جعلت الناس تضحك أو تبكي من أجل علامات سوداء صغيرة على لوح من الورق الأبيض، أليست هذه دعابة؟ الحبكة لجميع القصص الرائعة هي عبارة عن دعابات عملية عظيمة يقع الناس فيها مرارًا وتكرارًا.

هل لك ان تعطينا مثالا؟

الرواية القوطية. تنشر العشرات من الأشياء كل عام، وتباع جميعها. قام صديقي (بوردن ديل) مؤخرًا بكتابة رواية قوطية من أجل المتعة، وسألته عن ماهية الحبكة، وقال: “امرأة شابة تقبل وظيفة في منزل قديم وتُخيفها السراويل”.

أمثلة أخرى؟

الأمثلة الأخرى ليست ممتعة كثيرا في وصفهم؛ شخص ما يقع في مأزق ثم يخرج منها، شخص ما يفقد شيئًا وثم يسترده، شخص ما ظلم ويحصل على انتقامه، سندريلا. شخص ما ينفصل وتتدهور حالته، يقع الناس في حب بعضهم البعض والكثير من الأشخاص يعترضون طريقهم، الشخص الصالح يتهم زوراً بالرذيلة، والشخص الآثم يعتقد أنه صالح. يواجه الشخص التحدي بشجاعة، وينجح أو يفشل؛ شخص يكذب، شخص يسرق، شخص يقتل، شخص يرتكب الزنا.

أعتذرعما سأقوله، لكن هذه الحبكات تبدو قديمة جدًا

أضمن لك أنه لا يوجد مخطط لتجديد القصص، حتى مع عدم وجود حبكة فلن يشعر القارئ بالرضى الحقيقي طالما لم يتم دس إحدى الحبكات التقليدية في مكان ما بالقصة. لا أشيد بهذا النوع من الأحداث باعتبارها تمثيل واقعي للحياة، ولكن كطريقة لإبقاء القراء يقرؤون. حينما كنت أُدرس الكتابة الإبداعية، كنت أخبر الطلاب أن يجعلوا الشخصيات في القصة ترغب بشيء ما على الفور ولو كان كوب ماء. فحتى الشخصيات التي فقدت قدرتها على الحركة بسبب عبثية الحياة، يشربون الماء بين الفينة والأخرى.

كتب أحد تلاميذي قصة عن راهبة عثرت على جزء من خيط الأسنان عالقة بين أضراسها السفلية اليسرى، ولم تستطع التخلص منه طوال اليوم. كانت قصة رائعة. تناولت قضايا أهم بكثير من خيط تنظيف الأسنان، ولكن ما جعل القراء يستمرون بالقراءة كان لهفتهم للحظة إزالة خيط تنظيف الأسنان. لا يمكن لأحد قراءة هذه القصة من غير أن يمرر إصبعه حول فمه. وهنا دعابة عملية بالنسبة للقارئ. حينما تستبعد الحبكة وتستبعد منها شغف الشخص للعثور على أمر ما، فإنك تستبعد القارئ وهذا تفكير لئيم جدا. يمكنك أيضًا استبعاد القارئ من خلال عدم إخباره على الفور بمكان حدوث القصة، ومن هم الأشخاص.

وما الذي يريدونه..

نعم. ويمكنك أن تجعله ينام وذلك بعدم جعل الشخصيات تواجه بعضها البعض. الطلبة قالوا انهم يفضلون عدم تصادم الشخصيات لأن الناس في الحياة الحديثة تتجنب ذلك. قالوا بأن “حياتنا المعاصرة موحشة جدا”. وهذا بنظري هو الكسل. فمهمة الكاتب تنظيم المواجهات وبذلك فإن الشخصيات تفاجؤنا ،وتكشف لنا عن الخبايا، تعلمنا وتمتعنا كذلك. إذا لم يتمكن الكاتب من فعل هذه الأمور أو لن يفعلها، فعليه أن ينسحب من التجارة.

التجارة؟

التجارة. النجارين يبنون المنازل. الميكانيكيين يصلحون السيارات. و رواة القصص يقتنصون أوقات فراغ القراء بطريقة لايشعر معها القارئ بأنه أضاع وقته. 

الموهبة بالتأكيد مطلوبة ؟

في جميع المجالات. كنت تاجرًا لشركة Saab في شركة Cape Cod لفترة من الوقت، وقد التحقت بمدرستهم الميكانيكة، وطردوني. لاني لا أملك موهبة.

ما مدى شيوع موهبة رواية القصص؟

يتكون فصل الكتابة الإبداعية بأي مكان في هذا البلد من عشرين شخص، ستة منهم موهوبين بشكل مذهل. اثنان منهم قد ينشرون شيئًا ما عما قريب.

ما الذي يميز هاذين الاثنين عن البقية؟

لديهم شيء آخر غير الأدب بحد ذاته في أذهانهم. من المحتمل أن يكونوا محتالين أيضًا. أعني أنهم لا يريدون يجلسوا مكتوفين اليدين حتى يتم اكتشافهم من قبل شخص ما. سوف يصرون عليك لقراءته.

كنت رجل علاقات عامة ورجل إعلانات.

أوه، أتصور ذلك.

هل كان هذا مؤلما؟ أقصد، هل شعرت أن موهبتك تهدر، وتضعف؟

لا. هذه أمور عاطفية والعمل على هذا النحو يدمر روح الكتابة لدى الكاتب. في ولاية أيوا اعتدت أنا و(ديك ييتس) على إلقاء محاضرة كل عام حول الكاتب ونظام المشاريع الحرة. والطلبة يكرهون ذلك. كنا نتحدث عن جميع الطرق الملتوية الذي يلجأ لها الكاتب اذا وجدوا أنفسهم يتضورون جوعا حتى الموت. أو في حالة رغبتهم جمع ما يكفي من رأس المال لتمويل كتابة كتاب. نظرًا لأن الناشرين لا يضعون أموالهم في أولى الروايات بعد الآن، وبما أن المجلات قد انتهى عهدها، ولأن التلفزيون لم يعد يشتري من الشباب العاملين لحسابهم الخاص، وبما أن المؤسسات لا تقدم منحًا إلا للمتمكنين القدامى مثلي، فسيتعين على الكتاب الشباب لكي يدعموا انفسهم ان يسلكوا طرق مخزية وغير شرعية، و قريبًا سنجد أنفسنا بلا أدب معاصر. شيء واحد مروّع تفعله أعمال القرصنة للكاتب، وهو تضييع وقتهم الثمين.

ليست مزحة.

انها مأساة. ما زلت أحاول التفكير في جميع الطرق التي يسلكها الكتاب الصغار حتى لو كانت مروعة، ليتشبثوا بالكتابة بطريقة أو بأخرى.

هل ينبغي دعم الكتاب الشباب؟

يجب القيام بشيء ما حيال هذا الأمر، خاصة بعد أن جعلوا من المستحيل أن يدعم الشباب أنفسهم من خلال الأعمال الحرة. كنت في بداياتي رجل أعمال مذهل، لسبب بسيط هو أن هناك الكثير من الأعمال التي كان من الممكن القيام بها. وحينما عملت لدى شركة (جنرال إلكتريك)، كتبت قصة بعنوان (تقرير عن تأثير بارنهاوس)، وهي أول قصة قمت بكتابتها. أرسلتها بعد ذلك بالبريد الإلكتروني إلى كوليرز. وكان (نوكس برغر) هو رئيس تحرير آن ذاك وأخبرني ما هي الأخطاء وكيفية تصحيحها. ففعلت ما قاله، واشترى القصة بمقابل سبعمائة وخمسين دولارًا، مدة عمل ستة أسابيع في (جنرال إلكتريك) كتبت بعدها  قصة أخرى، ودفع لي تسع مائة وخمسين دولارًا، واقترح علي أنه ربما حان الوقت لكي أترك (جنرال إلكتريك) وهذا مافعلته. انتقلت إلى (بروفينستاون) وأخيراتم تسعير قصتي القصيرة بتسع وعشرين مليون دولارًا كما أعتقد. وجلب لي (نوكس) حينها اثنين من الموظفين الذين كانوا ماهرين في سرد القصص؛ (كينيث ليتور)، الذي كان سلفه في كوليرز، و(ماكس ويلكينسون)، الذي كان محرر القصة في (إم جي إم). ودوِّن هذا الأمر لديك، أن (نوكس برجر) الذي كان في سني، اكتشف وشجع الكتاب الشباب أكثر من أي محرر آخر في وقته. لا أعتقد أنه قد تم تدوين هذا الأمر أي مكان. إنها حقيقة معروفة فقط لدى الكتاب، وهي حقيقة يمكن أن تختفي بسهولة، إذا لم يتم كتابتها في مكان ما.

أين هو (نوكس برجر) الآن؟

إنه وكيل أدبي. وفي الواقع إنه يمثل ابني (مارك) أيضًا.

و(ليتور) و(يلكينسون)؟

توفي (ليتور) قبل عشر سنوات أو نحو ذلك. لقد كان عقيدًا في Lafayette Escadrille، على كل حال، في عمر الـ23 عامًا، كان أول رجل قام بتمشيط خندق و كان مستشاري أيضا. تقاعد (ماكس ويلكينسون) في فلوريدا. لقد أحرجه دائمًا أن يكون وكيلا. إذا سأله شخص غريب عما فعله من أجل لقمة العيش، كان يقول دائما أنه يزرع القطن.

هل قمت بتعيين مستشارًا جديدًا الآن؟

لا .أظنني كبرت كفاية لأعثر على واحد. كل ما أكتبه الآن يتم تحريره دون أي تعليق من الناشر الذي يصغرني سنا، أو من قبل المحرر أو أي شخص. شقيقتي لم تعد موجودة كي تلهمني الكتابة. فشعرت فجأة أن هناك فراغ كبير في حياتي.

هل تشعر كما لو كنت في الفضاء بدون أي وسيلة تواصل؟

وبلا جاذبية الأرض لتساعدني على التوازن، إنه أمر مقلق في بعض الأحيان.

هل يوجد شيء اخر تود إضافته؟

هل تعرف القضيب المعدني الذي يوضع على الأبواب الرئيسية للمدارس والمسارح؟ و حينما تدفعه باتجاه الباب سينفتح ؟

نعم؟

اسم العلامة التجارية لأغلبها هو (فون دوبرين). “فون” من (فونجيت). حوصر أحد اقربائي بداخل حريق مسرح إيروكوا في شيكاغو منذ وقت طويل، واخترع القضيب الحديدي مع اثنين آخرين؛ “برين” من (برينزلر)، ونسيت من هو “دو”.

حسنا.

وأريد أن أقول أيضًا ، الفكاهيين في أسرهم هم غالبا الأطفال الأصغر سنًا. عندما كنت أصغر طفل على مائدة العشاء لدينا، كانت هناك طريقة واحدة فقط لجذب انتباه أي شخص، وهو أن أكون مضحكا. كان عليَّ التخصص في هذا. فقد اعتدت على الاستماع إلى الكوميديين في المذياع باهتمام شديد، حتى أتمكن من معرفة كيفية صنع النكات. وبعد أن أصبحت كبيرًا أصبح هذا ما يدور حوله كتبي الآن؛ النكات الفسيفسائية.

هل لديك أي نكات مفضلة؟

كنا نتجادل انا واختي حول أطرف النكات في العالم؛ طبعا بجوار نكتة الرجل الذي اقتحم خزانة المعطف. حينما عملنا معا أصبحنا أكثر ظرافة من (لوريل) و(هاردي). وهذا بالتحديد مايدور حوله كتاب (كوميديا تهريجية).

هل اتفقتم أخيرًا على أفضل نكتة في العالم؟

اتفقنا على اثنين. ومن الصعب تحديد أي منهما هكذا بكل بساطة.

أخبرنا على أية حال.

حسنا . لن تضحك. لم يضحك عليها احد من قبل. انها طرفة قديمة “الغرابان الأسودان”؛ رجلان أبيضان بوجه أسود يدعيان (موران) و(ماك). قاموا بتسجيل روتينهم الخاص على الة الفونوغراف. وبما انهم اثنان من الرجال السود فمن المفترض أن يتحدثان الى بعضهما بخمول، على أية حال قال أحدهما: “أنا حلمت أنني أتناول كعكات الفانيلا”، رد الآخر: “هل هذا صحيح؟”، قال الأول: “وعندما استيقظت، اختفت البطانية”.

اممم!

أخبرتك أنك لن تضحك عليها. النكتة الأخرى تتطلب تعاونك. سوف أطرح عليك سؤالًا، وعليك أن تقول “لا”.

حسنا.

هل تعرف لماذا القشدة أغلى بكثير من الحليب؟

لا.

لأن الأبقار يكرهون الجلوس على تلك الزجاجات الصغيرة. أرأيت لم تضحك أيضا. ولكن أعطيك كلمة شرف أنها طرفة رائعة جدًا، وتم إخراجها ببراعة.

يبدو أنك تفضل (لوريل) و(هاردي) على (تشابلن)، أليس كذلك؟

أنا مهووس بـ(تشابلن)، لكن هناك مسافة كبيرة بينه وبين جمهوره. من الواضح أنه عبقري جدا. فلديه أسلوبه الخاص، إنه رائع مثل (بيكاسو)، وهذا مخيف بالنسبة لي.

هل ستكتب قصة قصيرة أخرى؟

ربما. كتبت منذ 8 سنوات، واعتقدت أنها ستكون أخر قصة لي. فطلب مني (هارلان إليسون) المساهمة في مجموعة كان يعمل عليها قصة باسم : The Big Space Fuck أو (لعنة الفضاء الواسع)، وأظن أني أول شخص يقوم باستخدم كلمة “اللعنة” كعنوان. كان الأمر يتعلق بإطلاق سفينة فضائية برأس حربي مليء بالسائل المنوي إلى “مجرة أندروميدا”. وهذا يذكرني بصديقي الرائع من إنديانابوليس، وهو صديق الوحيد المتبقي لي من هذه المدينة؛ (ويليام فايلي). عندما خضنا الحرب العالمية الثانية، كان من المفترض أن يتبرع الجميع بالدم، تساءل (فايلي) عما إذا كان لا يستطيع إعطاء نصف لتر من السائل المنوي بدلاً من ذلك.

إذا لم يخسر والداك كل أموالهما، فماذا كنت ستفعل الآن؟

لشعرت بسعادة عارمة وأصبحت مهندس معماري في إنديانابوليس، مثل والدي وجدتي. ما زلت أتمنى أن ذلك قد حدث. على أي حال هناك شيء أخر أود قوله، أحد أفضل المهندسين المعماريين الشباب هناك يعيش في منزل أنشأه والدي لعائلتنا في العام الذي ولدت فيه، 1922. ويوجد على زجاج النوافذ الثلاث الصغيرة بجانب الباب الأمامي الأحرف الأولى من اسمي واسم أختي وأخي.

لديك ماضي جيد تتوق إليه.

نعم فعلا. عندما أذهب إلى إنديانابوليس ، نفس السؤال يتبادر الى ذهني مرارًا وتكرارًا: “أين سريري، أين سريري؟” وإذا كان أشباح والدي وجدتي يجوبون تلك المدينة، فيجب عليهم أن يتساءلون أين ذهبت كل مبانيهم. تم تحويل وسط المدينة وكانت معظمها مبانيهم إلى مواقف للسيارات. يجب أن يتساءلوا أيضًا أين ذهب كل أقاربهم. لقد نشأوا في عائلة ممتدة وضخمة لم تعد موجودة. لقد تذوقت هذا، الشيء العائلي الكبير. عندما ذهبت إلى جامعة شيكاغو، وسمعت رئيس قسم الأنثروبولوجيا، (روبرت ريدفيلد)، يحاضر عن المجتمع الشعبي، والتي كانت في الأساس أسرة ممتدة ومعزولة ومستقرة، لم يكن عليه أن يوضح كم هو أمر لطيف.

أي شيء اخر؟

حسنًا ، لقد اكتشفت للتو صلاة للكتاب. سمعت عن صلوات البحارة والملوك والجنود وما إلى ذلك، لكنني لم أسمع أي صلاة للكتاب. هل يمكنني أن أضع ذلك هنا؟

بالتأكيد.

كتبه (صموئيل جونسون) في 3 أبريل 1753، وهو اليوم الذي وقع فيه العقد وطلب منه كتابة أول قاموس كامل للغة الإنجليزية. كان يصلي من أجل نفسه. ربما يجب الاحتفال بالثالث من أبريل بـ“يوم الكتّاب”.

على أي حال ، هذه هي الصلاة: “يا الله، الذي يدعمني حتى هذه اللحظة، أن تمكنني من المضي قدماً في هذا العمل والقيام بالمهمة على اكمل وجه بوضعي الراهن؛ و أن أسلمه في اليوم الأخير، كإثبات للكفاءة التي منحتها لي، وحينها قد أتلقى عفواً من اليسوع المسيح. آمين”.

يبدو أنها هذه رغبة لحمل موهبته بأقصى وأبعد سرعة ممكنة.

نعم فعلا. وكان كاتبًا مأجورًا شهيرًا.

وأنت، هل تعتبر نفسك كاتبًا مآجورًا؟

بطريقةٍ ما.

ما هي؟

ابن الكساد العظيم. وربما ينبغي لنا أن نقول شيئًا في هذه المرحلة، وهو كيف تم إجراء هذه المقابلة، إلا إذا كانت الصراحة تفسد كل شيء بطريقة ما.

دع الأمور تأخذ مجراها.

تم تقديم أربع مقابلات مختلفة، أجريت معي إلى (باريس ريفيو)، وقد قاموا بتجميعها معًا لتشكل مقابلة واحدة وعرضوها علي. سارت الخطة بشكل جيد نسبيا، ولذلك اتصلت بمحاور أخر لجعلها مقابلة واحدة. كنت أنا ذلك المحاور. بكل شفافية، نعم لقد قابلت نفسي.

فهمت. سؤالنا الأخير. إذا كنت مفوض للنشر في الولايات المتحدة، فماذا كنت ستفعل لتخفيف الوضع الحالي المؤسف؟

لا يوجد لدينا نقص من ناحية المؤلفين المبدعين. ما نفتقر إليه هو جمهور من القراء يمكن الاعتماد عليه.

وبالتالي؟

أقترح أن يُطلب من كل شخص عاطل آو عاطلة عن العمل، تقديم تقريرعن كتاب قبل أن يحصل/تحصل على الإعانة.

شكرا لك.

شكرا لك.


[المصدر]

زر الذهاب إلى الأعلى