المعرفة والفكر الفلسفي

منهج ديكارت الفلسفي

ديكارت

رينيه ديكارت (1596 – 1650) هو فيلسوف، ورياضي، وفيزيائي فرنسي، يلقب بـ”أبو الفلسفة الحديثة”، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته، والتي ما زالت تدرس حتى اليوم. و(ديكارت) هو صاحب المقولة الشهيرة: “أنا أفكر، إذن أنا موجود“. في كتاب (تاريخ الفلسفة الحديثة) قام (ويليم كيلي رايت) بوصف منهج (ديكارت) الفلسفي. فيقول بداية بأن لمنهج (ديكارت) أربع قواعد أساسية، ذُكرت في الجزء الثاني من كتاب (مقال عن المنهج)، وهي:

1. “لا أقبل شيئًا على أنه حق، ما لم أعرف بوضوح أنه كذلك، أي يجب أن أتجنب التسرع وألا أتشبث بالأحكام السابقة، وألا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل لعقلي في وضوح وتميز يزول معهما كل شك”.

2. “أن أقسم كل واحدة من المشكلات التي أبحثها إلى أجزاء كثيرة بقدر المستطاع، وبمقدار ما يبدو ضروريًا لحلها على أحسن الوجوه”.

3. “أن أرتب أفكاري، فأبدأ بالأمور الأكثر بساطة وأيسرها معرفة، حتى أصل شيئًا فشيئًا، أو بالتدريج، إلى معرفة أكثرها تعقيدًا، مفترضًا ترتيبًا، حتى لو كان خياليًا، بين الأمور التي لا يسبق بعضها بعضًا”.

4. “أن أعمل في جميع الأحوال من الاحصاءات الكاملة والمراجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة من أنني لم أغفل شيئًا”.

يعقب بعد ذلك (ويليم كيلي رايت) بأن طريقة (ديكارت) الفلسفية تتشابه مع الإجراءات المتبعة في حل المشكلات الرياضية. ثم يشرح ذلك بطريقة أكبر قائلًا:

إن قبول شيء على أنه حق من عدمه، بالنسبة لـ(ديكارت)، يعني أن القضية يجب أن تكون واضحة CLEAR بالكامل، ومتميزة DISTINCT أيضًا في تفصيلاتها وعلاقاتها. ويفهم العقل القضايا الواضحة والمتميزة بالطريقة الحدسية، مثلما يفهم بديهيات الهندسة، مثلًا، إذ لا شيء تدركه الحواس بصورة مباشرة يكون واضحًا ومتميزًا بهذه الطريقة، فالحدس، وليس الإحساس، هو المصدر الأول للمعرفة.

أما عن الأفكار وفطريتها، فيقول:

ولما كانت الأفكار الواضحة والمتميزة التي تقوم عليها كل معرفة يقينية، لا يتم التوصل إليها عن طريق الملاحظة الحسية، فإن مصدرها لابد أن يوجد في الأفكار الفطرية. […] إن الأفكار الفطرية عند (ديكارت) لا تكون في العقل منذ الميلاد، ولكنها “تكون فطرية بالمعنى الذي نقول فيه أن الكرم فطري في عائلات معينة، بينما تكون أمراض معينة مثل النقرس والحصبة فطرية في عائلات أخرى”. […] ولا يقدم (ديكارت) قائمة بالأفكار التي يُنظر إليها على أنها فطرية. فهي تتضمن بصورة واضحة بديهيات الرياضيات، وقوانين الفكر، وقضايا أخرى ينظر إليها على أنها واضحة بذاتها؛ مثل الفكرة التي تقول إن العلة يجب أن تمتلك من الحقيقة الواقعية أكثر من معلولها، ومثل يقين المرء بوجوده الخاص.

ثم يقول عن مصدر الخطأ في أحكامنا وطرقنا في البرهنة:

وينشأ الخطأ في نظر (ديكارت) من الإرادة. فالفكرة أيًا كانت لا تكون صادقة أو كاذبة حتى يتم إصدار حكم عليها […] ومن ثم إذا حصرنا أحكامنا فيما هو واضح ومتميز بصورة برهانية أو بصورة حسية، فإننا لا نقع مطلقًا في الخطأ. لكن إذا جرفتنا الانفعالات والأهواء أو أفكار غامضة، فسمحنا لإرادتنا أن تنتصر علينا ونصل إلى أحكام لا يكون لدينا عنها دليل كاف، فإننا نقع في الخطأ.

ثم يتطرق إلى الشك في فكر (ديكارت)، فيقول:

وذلك ما فعله (ديكارت) بطريقة بارعة، إذ أنه شرع في الشك في كل شيء يمكن الشك فيه، لكي يكتشف ما هو على يقين منه بصورة مطلقة ؛ لأنه لا يستطيع أن يشك فيه دون أن يفترض وجوده (وهذا هو مذهبة الشكي الأول أو المنهجي، كما يطلق عليه أحيانًا، أي أنه نوع خالص من الإجراء ؛ وهذا يعني أن (ديكارت) لم يكن في الواقع شاكًا. لقد وجد أن الحواس يمكن أن تخدع المرء باستمرار، ولذلك فمن الأفضل عدم الثقة بها. […] ولذلك وجد (ديكارت) أنه من الممكن نظريًا الشك في شهادة حواسه، وذاكرته، وأفكاره، ووجود العالم الخارجي، وحتى في صدق الرياضيات. ومع ذلك فقد وجد شيئًا لا يمكن الشك فيه، وهو واقعة وجوده الخاص: “أنا أفكر، إذًا أنا موجود”.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى