المعرفة والفكر الفلسفي

من مفهوم الـ “أنا” عند جوديث بتلر

judith-butler-foto-540x304

جوديث بتلر (مواليد 1956)، هي فيلسوفة أمريكية، لها إسهامات في مجالات الفلسفة النسوية، الفلسفة السياسية، والأخلاق. وهي أستاذ في قسم الأدب المقارن والبلاغة في جامعة كاليفورنيا – بركلي. حصلت بتلر على دكتوراة الفلسفة من جامعة يال عام 1984، وكان لها إسهامات في تأثيرات ما بعد البنوية في النظرية النسوية الغربية حول تحديد ماهية “المصطلحات الافتراضية” للنسوية. في كتابها الشهير (الذات تصف نفسها) تقول:

أحاول أن أبدأ قصة عن نفسي، أبدأها من مكان ما وأحدد الزمن في محاولة للشروع في متتالية أقدم بها روابط سببية  أو بنية سردية في الأقل. أسرد، وأقيد نفسي في أثناء السرد، أصف نفسي، أقدم وصفي إلى آخر على شكل قصة يمكن لها أن تلخص كيف ولماذا أنا ما أنا عليه أيضًا.
لكن جهدي في تلخيص الذات يخفق، وهو يخفق بالضرورة، لأن ال”أنا” التي أقدمها منذ السطر الأول بوصفها صوتًا سرديًا تعجز عن تقديم وصف للكيفية التي أصبحت بها “ أنا “ يمكن أن تروي نفسها أو تروي هذه القصة على وجه خاص. وبينما أنا أصنع تتابعًا وأربط حدثًا بآخر، مقدمة حوافز تنير المسار، مستجلبة النماذج المتواترة، مؤشرة إلى بعض الأحداث أو لحظات الإدراك بوصفها ذات أهمية محورية ، بل ومحددة نماذج متكررة معينة أعدها أساسية، لا أعمل بذلك على توصيل شيء عن الماضي، بالرغم من أن ذلك جزء مما أفعل دون شك.أنا أعيد تمثيل الذات التي أحاول وصفها؛ هناك إعادة تكوّن لل “ أنا “ السردية في كل لحظة يستحضرها السرد نفسه. أي أنني، بكلمات أخرى، أستخدم تلك ال “أنا “ – أتوسع في تقديمها وأقيم علاقة بينها وبين جمهور واقعي أو متخيل – استخدامًا يختلف عن رواية قصة عنها، بالرغم من أن الرواية تبقى جزدًا مما أفعل. أيّ أجزاء “ الرواية” يقوم بمهمة التأثير على الآخر وإنتاج ال “ أنا من جديد؟.

ثم تكمل حديثها قائلة:

كما أن فعلاً تمثيليًا وخطابيًا تؤديه هذه الـ”أنا“، فإن هنالك حدًا لما تستطيع الـ”أنا” المباشرة بسرده. هذه الـ”أنا” مقولة وملفوظ بها، وبالرغم مما يبدو من أنها تمثل الأرضية الثابتة للسرد، فهي أشد اللحظات بعدًا عن الأرض الثابتة في السرد. أما القصة التي لا تستطيع الـ”أنا” روايتها فهي قصة نشوئها بوصفها أنا لا تتكلم حسب بل تتقدم بوصف لذاتها. بهذا المعنى يتواصل سرد القصة، لكن الـ”أنا” التي تروي القصة والتي يمكن أن تظهر فيها بوصفها الراوي بضمير المتكلم، تمثل نقطة عتمة تقطع التتابع، وتتسبب في انقطاع أو انفجار في وسط القصة لما يتعذر على السرد استيعابه. لذلك فقصة ذاتي التي أرويها، القصة التي تقدم الـ”أنا” التي هي أنا على الواجهة، وتدرجها في تتابع مناسب لشيء يسمى حياتي، تخفق في تقديم وصف لنفسي في لحظة تقديمي لها. في الواقع ماهو موجود يقدمني بوصفي شخصًا لا وجود أو إمكانية لتقديم وصف له. أنا أقدم وصفًا لذاتي، ولكني أحار في الوصف عندما يتعلق الأمر بتشكل الـ”أنا” المتكلمة القادرة على سرد نفسها. كلما زاد ما أرويه تعزز الدليل على تضاؤل قدرتي على الوصف. إن الـ”أنا” تدمر قصتها الخاصة، على الضد من كل نواياها.

لا تستطيع الـ”أنا” أن تقدم وصفًا نهائيًا وكافيًا لذاتها لأنها لا تستطيع أن تعود إلى مشهد المخاطبة الذي أطلقها، وهي لا تستطيع أن تروي كل الأبعاد البلاغية لبنية المخاطبة الذي يحدث الوصف نفسه في نطاقها. لا يمكن أن ترد هذه الأبعاد البلاغية لمشهد المخاطبة إلى سرد. وهو أمر يتضح في سياق التحويل، أو بالأحرى في نموذج التواصل الذي يوفره التحويل، فهنا يكون المرء متلقيًا للكلام بين حين وآخر، كما أنه يتكلم، وهو مايتم على شكل مخاطبة مباشرة أو غير مباشرة على الدوام.

زر الذهاب إلى الأعلى