المعرفة والفكر الفلسفي

نظريات تشوميسكي في التعلم والتعليم

نعوم تشومسكي (مواليد 1928) هو أستاذ لسانيات أمريكي، وفيلسوف وعالم بالإدراك والمنطق، ومؤرخ وناقد وناشط سياسي.

في مقالة نُشرت باسم “النظرية التعليمية لـ(نعوم تشوميسكي)”، من كتابة وتحليل كل من (سكوت بوفيتش)، (زاك كوليمور)، (تانيشا برامويل-جونز) و(إليزابيث ماساس)، وبترجمة حصرية لدى ساقية، التعلم، وكيف يتم اكتساب المعارات والمعارف، بنظر (تشوميسكي). فكُتب في المقالة:

نظرية التعلم: ما هو التعلم؟ كيف يتم اكتساب المهارات والمعارف؟

وفقا لـ(تشومسكي)، تحدد اللغة ما يعنيه أن تكون إنسانا ودراسة اللغة وسيلة لدراسة العقل البشري. “على الرغم من أن وجود لغة ليست شرطا اساسي لامتلاك العقل، ولكنها أفضل دليل لدراسة طبيعة العقل” (سميث، 1999). وفيما يتعلق بتعلم اللغة، يزعم تشومسكي أن بعض جوانب اللغة يتم تدريسها بوضوح في المدرسة مثل التهجئة الإملائية للكلمات وأشكال المفردات التقنية؛ ومع ذلك، فإن الجوانب الأساسية للغة “عالمية”. ونحن نعلم جميعا نفس اللغة البشرية الفريدة. هذا المفهوم من قواعد اللغة العالمية هو مجموعة من المبادئ اللغوية التي وهبنا اياها عند الولادة بحكم كوننا بشرا (سميث، 1999). ويؤكد (تشومسكي) أيضا أن هناك “فترة سانحة” وراثيا لاقتناء اللغة هي في السنوات الاولى. وإذا لم يتعلم الطفل لغته الأولى خلال هذه الفترة، فإنه لن يحقق “مرحلة الإتقان” لأي لغة (سميث، 1999).

وقد قدم (تشومسكي) في كثير من الأحيان العديد من أنواع الأدلة المختلفة لصالح الادعاء بأن اللغة هي في جزء كبير منها وراثية بما في ذلك جانب السرعة وجانب اهمية السن في امتلاك اللغة. أننا لسنا بحاجة إلى “تعلم” أن لغتنا تحتوي على الأسماء والأفعال. كل اللغات تحتوي على أسماء و أفعال وهذا نعره بالبديهة (سميث، 1999). ولكننا  نحتاج إلى تعلم الاصوات داخل اللغة التي ترتبط مع الأسماء والأفعال.

ويؤكد (تشومسكي) أيضا أن هناك كيانا بيولوجيا، عضو ذهني محدود يتطور لدى الأطفال على طول أحد المسارات، التي يتم تحديدها مسبقا قبل أي خبرة من مرحلة الطفولة. إنه جهاز اللغة الذي ينشئ، القواعد النحوية، الموجود في الدماغ والذي يلعب دورا محوريا في امتلاك الشخص للغة. تصف لغة الإنسان الطبيعة المميزة للعقل. إن الاستخدام العادي للغة يمكن ان يعتبر كنشاط إبداعي. ويشير تشومسكي إلى أننا لن نفهم، وربما لن نفهم أبدا ما الذي يجعله من الإمكان بأي حال للذكاء البشري العادي استخدام اللغة كأداة لنقل الفكر والشعور (مكجيلفراي، 2005)

ثم يتحدث عن أحد نظريات التعلم، وهي النقل:

نظرية النقل: ما الذي سُيدرس ؟ بأي الأساليب؟ ما هو المنهج؟

وفقا لـ(تشومسكي)، الهدف من التدريس هو المساعدة في النمو المثمر ومساعدة الطلاب على أن يصبحوا مهتمين بعملية التعلم. ويذكر ان “الطلاب عادة ما يكونون مهتمين، فإذا تم الحفاظ على إهتمام وفضول الأطفال الموجود مسبقا او حتى إثارته، فإنهم سيستطيعوا ان يفعلوا كل أنواع الأشياء بطرق لا يمكن تخيلها … هيليب؛ “ (تشومسكي، 1992). وبعبارة أخرى، إن دور المعلم هو ان يبقي الأطفال مشاركين ومندمجين في عملية التعلم ومهتمين بالاستكشاف وبالاستقلال. ويجب ان ينصب التركيز على عملية تعلم الطلاب بدلا من عملية تدريس المعلمين.

في مقابلة مع (ليليان ر. بوتنام) في خريف عام 1987، سئل (تشومسكي) “… إذا كان معلمي الصفوف الأولية على دراية بعملك، ما هي أنواع التغييرات التي قد يقوموا بها في تعليمهم للقراءة؟ وما هي الاقتراحات التي قد تساعدهم؟” فأجاب (تشومسكي): “أنا متردد حتى في أن أقترح جوابا على هذا السؤال، إذ يتعين على الممارسين أن يقرروا بأنفسهم ما هو مفيد في العلوم وما ليس بمفيد، وبصفتي لغوي، ليس لدي مؤهلات أو معارف معينة تمكنني أو تخولني أن أصف طرق تدريس اللغة، وكشخص، لدي أفكاري الخاصة حول الموضوع، استنادا إلى تجربتي الخاصة كمعلم لغة للأطفال، اما بحسب تأملاتي وحكمي الشخصي، أن على أي مستوى،سواءا من الحضانة إلى الدراسات العليا، التعليم هو إلى حد كبير مسألة تشجيع التنمية الطبيعية الموحودة داخل الانسان ، وأفضل أسلوب للتدريس هو توضيح أن الموضوع يستحق التعلم، والسماح للطفل – أو للكبار – بإستخدام الفضول الطبيعي الموجود فيهم وإهتمامهم الفطري بالحقيقة و بالفهم في سبيل النضج والتطوير، وهذا هو حوالي 90٪ من المشكلة اننا نركز لى اللامحتوى بدلا من قدر الإهتمام بالمحتوى من جهة الطالب، و في مقابلة مع غاري أولسون وليستر فيجلي، يقول تشومسكي أن التدريس هو في الغالب “الحس السليم الفطري”. ولا يهم ما تم تغطيته من المادة العلمية ولكن كم طورت من القدرة والكفاءة على الاكتشاف والفضول (2007)

ومن ثم تطرّق إلى المجتمع، دوروه في التعليم:

نظرية المجتمع: ما هو المجتمع اليوم؟ ما هي المؤسسات المشاركة في العملية التعليمية؟

يصف (تشومسكي) المجتمع اليوم بأنه “حضارة صناعية حديثة” وان القوة الدافعة لهذه الحضارة هي “المكسب المادي” (تشومسكي، 2007). واي حضارة قائمة على المبدأ الاقتصادي و المكاسب المادية هي حضارة معرضة للخطر.

إذا كان المجتمع الصناعي الحديث يطمح إلى التغيير، فإن “متطلبات الحياة، ناهيك عن العدالة، تتطلب تخطيطا اجتماعيا رشيدا لمصلحة المجتمع ككل، و الآن ذلك يعني المجتمع العالمي” (تشومسكي، 2007). وھذا یعني أن المجتمع سیحتاج إلی النظر أولا في “المصلحة المتبادلة” للمجتمع بدلا من “المصلحة الذاتیة” عند التخطیط الاجتماعي (تشومسکي،  008 2)

ووفقا لـ(كوهين وروجر) (1991)، يعتقد (تشومسكي) أن هناك أملا في المجتمع، وهو “يقع على خلفية مفهومه للطبيعة البشرية” و “مفهوم غريزة الحرية التي تقع في جوهره” (ص 14 ). وهو يفترض أن “القيود المفروضة على حرية الإنسان لم تكن مطلوبة قط للبقاء وللعيش في اي حقبة سابقة لى مر التاريخ” سوف تميل إلى التخلي عنها، نتيجة للطبيعة الأخلاقية للبشر، و“غريزة الحرية”، و “الجهود المستمرة للتغلب على الهياكل الاستبدادية وتوسيع نطاق الحرية” التي تنتج عن تلك الغريزة “(كوهين، 1991). وبعبارة أخرى، فإن التعدي على حقوق الإنسان في المجتمع يتعارض مع طبيعتنا الإنسانية الغريزية، ومن ثم سيتم التحقيق في الداعي لإنكار هذه  الحريات. ويشكل الرق وحقوق المرأة أمثلة على هذه الانتهاكات غير المبررة (أرنوف، 2005).

إن المجتمع الحقيقي “الديمقراطي” هو الذي لا يحكمه تسلسل هرمي قائم على الاحتفاظ بالسلطة. “المجتمع الديمقراطي حقا هو المجتمع الذي تتاح فيه للجمهور في المشاركة الفعالة والبناءة لتشكيل السياسة الاجتماعية: في مجتمعهم المباشر، في مكان العمل، وفي المجتمع ككل” (أرنوف، 2005). يسعى (تشومسكي) أن يغير “الهياكل الاستبدادية”، بـ“مؤسسات ديمقراطية تقوم على منظمات عاملية تشاركية كاملة (مذهبه)”. ويطالب أيضا (مغيلفراي، 2005) من “المؤسسات القوية” إنشاء هيكل يعطي العمال مزيدا من الاستقلال الذاتي على جميع مستويات المؤسسة. “وهو يعلم أن الشكل الراهن الوحيد للوصول إلى السلطة يتمثل في التصويت للممثلين في أشكال الحكم المحلية والبلدية والإقليمية والوطنية، في رأي (تشومسكي) المجتمع يجب ان يكون محررا جدا للأثرياء، كما  للفقراء، للممتازين وللمحرومين ايضا، لكي يتمكنوا من العيش في مجتمع يقدر جوهر الإنسان لا بحجة ومتطلبات الإنتاج” (ماكجيلفراي، 2005).إنه يأمل في مجتمع حرر نفسه من المطامع المادية وكرس قواه لما هو غرزي كامن في طبيعته البشرية للبحث عن التغيير من أجل حقوق الإنسان اولا وللمصلحة المشتركة للمجتمعات بأسرها ثانيا .

(تشومسكي) يربط بعلاقة مماثلة فيما يتعلق المؤسسات التعليمية في مجتمع اليوم. وفقا لـ(تشومسكي)، المؤسسات التعليمية اليوم مماثلة للمصانع. يتم تعليم الطلاب من قبل “النخب الليبرالية” أو “المثقفين” لزيادة الطاعة والمطابقة ، الامتثال و التماثل . “النخب الليبرالية” أو “المثقفون هم الذين يكتبون التاريخ” الذي يدرس في المدارس و “يجب أن نكون حذرين بشأن” دروس التاريخ المزعومة ، ولا  تستغرب أن تكتشف أن نسخة التاريخ المقدمة تخدم ذاتها وكتابها (أرنوف، 2005)

يعتبر (تشومسكي) المؤسسات التعليمية اليوم المكان الذي لا يملك البشر فيه طابع جوهري وأخلاقي وفكري، أنهم ببساطة يشكلون مادة يتم تشكيلها إلى مديرين ومؤدلجين للقطاع الخاص – هم يدركون بالطبع ما هو جيد وحقيقي (أرنوف، 2005). بدلا من ذلك، يجب أن تهتم المؤسسات التعليمية “بما يكتشفه الطالب بنفسه عندما يثار فضوله الطبيعي ودافعه الإبداعي ، سيكون هذا أساسا لمزيد من الاستكشاف و السبر والتساؤلات والتي قد تؤدي إلىى مساهمة فكرية كبيرة” (أرنوف، 2005)

 


[المصدر]

ملاحظة: هذه المقالة هي الجزء الثالث من أربع مقالات، حول نظرية التعلم والتعليم عند (تشوميسكي)، بترجمة حصرية لدى ساقية. نُشرت المقالة الأولى والثانية مسبقًا، وستتبع بالجزء الأخير.

زر الذهاب إلى الأعلى