الروحانيات والبحث عن المعنىفقه الأخلاق

حظوظ النفس وأثرها الخفي عند ابن القيم

 أبو عبدالله شمس الدين محمد الزرعي (١٢٩٢م – ١٣٥٠م) المعروف باسم (ابن القيم) فقيه ومحدّث ومفسَر وعالم مسلم مجتهد، أحد أبرز أئمّة المذهب الحنبلي، نشأ في مدينة دمشق، اتجه لطلب العلم في سن مبكرة، فأخذ عن عدد كبير من الشيوخ في مختلف العلوم منها التفسير والحديث والفقه والعربية، وقد كان (ابن تيمية) أحد أبرز شيوخه، حيث التقى به في سنة 712هـ/1313م، فلازمه حتى وفاته، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عاماً تقريبًا.

شرح لنا (ابن القيم) في (مدارج السالكين) الأثر الخفي للغاية لحظوظ النفس على العمل، وهنا جزء من شرحه.

وأما الاستقصاء في رؤية علل الخدمة: فهو التفتيش عما يشوبها من حظوظ النفس، وتمييز حق الرب منها من حظ النفس. ولعل أكثرها – أو كلها – أن تكون حظا لنفسك وأنت لا تشعر.

فلا إله إلا الله، كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة، وأن تصل إليه، وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر البتة، وهو غير خالص لله، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقا، وهو خالص لوجه الله، ولا يميز هذا إلا أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها.

فبين العمل وبين القلب مسافة، في تلك المسافة قًطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب. فيكون الرجل كثير العمل وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره. فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لأستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل وميز بين أولياء الله وأعدائه وأوجب له ذلك مزيد من الأحوال.

ثم إن بين القلب وبين الرب مسافة. وعليها قُطَّاع تمنع وصول العمل إليه، من كبر وإعجاب وإدلال، ورؤية العمل، ونسيان المنة، وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب. ومن رحمة الله تعالى سترها على أكثر العمال، إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها، من اليأس والقنوط والاستحسار وترك العمل وخمود العزم وفتور الهمة.

تحرير: (فهد الحازمي) و(نوال خلوفة)

فهد الحازمي

كنت طالباً جامعياً وسأظل طالباً إلى الأبد.
زر الذهاب إلى الأعلى