آليات الكتابة، ونصائح في التعبيرالإنتاج الفني والسردي

الكتابة عند نزار عملٌ انقلابيّ

نزار بن توفيق القباني (1342 – 1998) ديبلوماسي وشاعر سوري معاصر شهير، وُلد من أسرة دمشقية عربية عريقة إذ يعتبر جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي. يُخبرنا (نزار) عن الشرط الأساسي في الكتابة بقوله:

الشّرط الأساسي في كل كتابة جديدة هو الشرط الانقلابي. وهو شرط لا يمكن التساهل فيه، أو المساومة عليه. وبغير هذا الشرط، تغدو الكتابة تأليفاً لما سبق تأليفه، وشرحاً لما انتهى شرحه، ومعرفةً بما سبَق معرفته.

الكتابة الحقيقية هي نقيض النسخ، ونقيض النقل، ونقيض المحاكاة الزنكوفرافية أو الطباعيّة.
فالقصيدة الجيّدة هي النّسخة الأولى التي ليس لها نسخة ثانية سابقة لها أو لاحقة بها. يعني أنها زمان وحيد هاربٌ من كل الأزمنة. ووقت خصوصي منفصل كلياً عن الوقت العام.

القصائد الرديئة هي القصائد التي تعجز عن تكوين زمنها الخصوصي فتصبّ في الزمن العام.
وتضيع كما تضيع مياه النهر في البحر الكبير.

الكتابة هي فنّ التورّط. ولا كتابة حقيقية خارج التورّط. الكتابة ليست سجادة فارسيّة يمشي عليها الكاتب، كما يقول (جان كوكتو)، ولا مقعداً مغلفاً بـ”الأوبوسون“، ولا مخدةً من ريش العصافير تغوص رؤوسنا فيها، ولا يختاً خاصاً نتشمّس على ظهره .. ونشرب البيرة الدنماركية المثلّجة.

إن الكاتب يجب أن يظلّ في أعماقه بدوياً يتعامل مع الشمس، والملح، والعطش.
يجب أن يبقى حافيَ القدمين حتى يتحسّس حرارة الأرض، ونتوءاتها ووجع حجارتها.
يجب أن يبقى عارياً كحصان متوحّش، ورافضاً كل السّروج التي تحاول الأنظمة وضعها على ظهره.
ومتى فقد الكاتب بداوته, وتوحّشه، وقدرته على الصهيل، ومتى فتح للجام الحديدي ومنح ظهره للراكبين، تحوّل إلى “أوتوبوس حكومي” مضطر إلى الوقوف على جميع المحطات، والخضوع لصفّارة قاطع التذاكر.

ويقول:

إن الكتابة هي لعبة يوميّة مع الموت. هكذا فهم هيمنغواي الأدب. وهكذا فهمه (كافكا)، و(لوركا)، و(كامو)، و(مايا كوفسكي)، وغيرهم ممن عاشوا حياتهم وأدبهم في البرزخ الفاصل بين الحياة والموت!

وفي تحديده لموقف الكاتب إزاء مايكتب يقول:

لا يمكن أبداً أن يكون للكلمة وجهان: وجه باطني, ووجه مكشوف. ولا يُمكن أن يلبس الشاعر بذلتين: واحدة للشغل، وواحدة للحفلات العامّة.. والمناسبات.
وحين يعجز الكاتب عن إقامة التوازن بين فنّه وموقفه من العالم، فإن عليه أن ينسحب من الشعر فوراً. وهذا مافعله الشاعر الفرنسي (رامبو) حين وجد أن تجارة الرقيق التي امتهنها تتنافى مع خلفيّة الشعر، فتوقف نهائياً عن الكتابة.


بقلم: هاجر العبيد
تحرير: أحمد بادغيش

هاجر العبيد

مشرفة نادي القراءة بطيبة، عضو مؤسس لنادي قبَس الثقافي بجامعة طيبة، مهتمّة بالعلوم الإنسانيّة و التَاريخ و الأديان.
زر الذهاب إلى الأعلى