فقه الحياة

كولن ويلسون يتساءل: كم عدد الكتب التي ينبغي امتلاكها؟

كولن هنري ويلسون 1931-2013 كاتب إنجليزي ولد في مدينة ليستر في إنجلترا. من أشهر كتبه روايتي (اللامنتمي) و(ما بعد اللامنتمي).

في كتاب (حلم غاية ما) وهو الكتاب الثاني لسيرة المؤلف الحياتية، والذي نقلته إلى العربية الأستاذة لطفية الدليمي، أدرجت المترجمة مقالًا في بداية الكتاب بعنوان “كم عدد الكتب التي ينبغي امتلاكها؟”، والذي نُشر في كتابه الكتب في حياتي. يقول (كولن) في افتتاحية مقالته:

في عام ١٩٥٠م، وبدفع من نصيحة مكتبيّ يعمل في لوس أنجلوس، انطلق (هنري ميلّر) في إعداد قائمة بمائة كتاب من الكتب التي عدّها الأكثر تأثيرًا في حياته، وكما يحصل في العادة اشتطّ (ميلّر) كثيرًا واندفع بعيدًا عن مخططه الأولي، وكتب مجلدًا بثلاثمائة صفحة عنوانه الكتب في حياتي.

سجّل (ميلّر) ملاحظة في مقدمة كتابه هذا يقول فيها أن كتابه سيتطور إلى مجلدات عديدة في خضم السنوات القليلة اللاحقة، ولكن الحقيقة أن المجلد ظلّ يُطبع بحجمه الأصلي ولم تحصل أي إضافات عليه كما لم تظهر أي مجلدات لاحقة تُكمل ما ابتدأه (ميلّر) في عمله الأصلي، وأرى أن بإمكاني أنا ذاتي بعمل قائمة لأكثر الكتب تأثيرًا في حياتي كنت توقعت في البدء أن تكون في حدود العشرين كتابًا وعزمت أن أرفق مع كل كتاب مقالة وافية لا تتجاوز دزينة من الصفحات، وبعدما انطلقت في وضع قائمة أولية بالكتب المطلوبة رأيت نفسي أدوّن خمسين عنوانًا من الكتب دفعة واحدة، وبدون أن أتوقف ولو لبرهة قصيرة، وتبينت أن بالإمكان بكل بساطة أن أضيف خمسين عنوانًا آخر من غير كثير جهد أو إعمال نظر طويل وكان هذا يعني أن كتابي الموعود عن حياتي مع الكتب سيكون مجلدًا بألف ومائتي صفحة في أقل تقدير، ولك أن تعلم بعد كل هذا كم كان ينبغي أن أمارس من جهد وانضباط لكي أقلل عدد العناوين بغية جعل الكتاب في حجم مقبول وقابل للتداول السهل.

يتابع بعد ذلك متحدثًا عن شغفه بالكتب، فيقول:

لطالما كنت طوال حياتي شخصًا مهووسًا بالكتب وهو الأمر الذي يجيب عن سبب امتلاكي لرفوف كثيرة للكتب في بيتي تحتوي على ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف كتاب، ويمكن لك أن تتصور الحال إذا عرفت أن كل غرفة في بيتي تحتوي رفوفًا متخمة بالكتب – غرف النوم ليست مستثناة من هذا الوصف – حتى بات من المستحيل من الناحية الواقعية إيجاد فسحة لإضافة أية كتب جديدة، يوجد بضعة آلاف من الأسطوانات والشرائط الفديوية وهي كلها صارت تمثل مشكلة تخزينية جدية بالنسبة لي

ومن الطبيعي للغاية أن الزائرين يسألوني في كل مرة يرون فيها هذه الأرفف من الكتب “(كولن) هل قرأت هذه الكتب كلها؟”، ويتوجب عليّ أن أوضح الأمر كل مرة: العديد من هذه الكتب تخدمني كمراجع أعود إليها عند الحاجة طالما أن المكتبة العامة بعيدة عن منزلي ولا أستطيع الوصول إليها متى كنت في حاجة للنظر إلى أحد الكتب المرجعية، وأن البعض الآخر من الكتب اقتنيته على أمل قراءته لاحقًا عند تيسّر الوقت، مثل مجموعة كتب السير والتر سكوت التي لم أقرأها لليوم، ولكن إذا كان يتوجب عليّ قول الحقيقة فإنني قرأت فعلًا معظم تلك الكتب وهذا يعني بالضرورة أنني لو أردت الحديث عن الكتب الأكثر تأثيرًا في حياتي لتوجب عليّ فعلًا المضي في كتابة بضع مجلدات عنها، وليس أقل من ذلك أبدًا.

ينتقل (كولن) في موضع آخر إلى الكتب التي يفضلها، فيقول:

قد يتساءل البعض: أي نوع من الكتب كنت أحب اقتناؤه؟ أقول: كنت أقتني كل الكتب التي تتناول الموضوعات الممتعة لي، وكمثال على هذه الموضوعات: الجريمة، وأذكر أنني قرأت كتابًا عن الجريمة عنوانه (الجرائم الخمسون الأكثر إثارة للدهشة في المائة عام المنصرمة) وأحببت كتب الشعر واقتنيت المئات منها بدءًا من أعمال شوسر مرورًا بـ ملتون وحتى تي. إس. إليوت. اقتنيت آلاف الكتب في الموسيقى، والفلسفة، والسيرة، والتاريخ، والنقد الأدبي، والعلوم، وحتى الرياضيات، وبالطبع في الرواية أيضًا، وكانت لديّ مجاميع كاملة لكل أعمال كتابي المفضلين: ديستويفسكي، تيلستوي، برنارد شو، جي. إج. ويلز، ولا زالت لديّ بعض من المجموعات التي تنتظر القراءة مثل أعمال كارلايل وراسكين.

منذ أن كنت طفلًا أحببت كثيرًا شراء الكتب المستعملة وهكذا وجدت نفسي في منزلي الجديد الملآن كتبًا كمن حقق أحلامه باقتناء ما يحب من الكتب التي لطالما حلم بقراءتها، وقد اقتنيت الكتب بلا هوادة كمن يطلب الخلود لأجل أن يتوفر له الوقت الكافي لقراءة كل هذه الكتب، كما اقتنيت الكثير من الأسطوانات الموسيقية والغنائية ابتداءً من كلاسيكيات بيتهوفن وحتى آخر إصدارات الجاز، وعندما بلغت منتصف الأربعينات من عمري أدركت أنني لست بقادر على قراءة كل تلك الآلاف من الكتب أو سماع تلك الأعداد الهائلة من الأسطوانات وحسبت أنني لو أدمنت سماع الأسطوانات التي لديّ بمعدل عشر ساعات يوميًا فسأحتاج ما لا يقل عن عشر سنوات لسماعها كلها! ولا زلت حتى اليوم عندما أسمع تقريضًا حسنًا لسمفونية بيتهوفن التاسعة مثلًا أو لعمل شتراوس المسمى Rosenkavalier. لا أستطيع مقاومة الرغبة الجامحة في إضافة هذا الإطراء إلى مجموعتي من الأسطوانات وأحسب أن هذه الشهوة الجامحة والمنفلتة تجاه الكتب والأسطوانات هي شكل مخفف من أشكال الجنون في أقل تقدير.

هذا ما حصل في نهاية الأمر إذن: أن أرى نفسي ساكنًا في منزل يعج بالكتب والأسطوانات الموسيقية في كل الأمكنة ؛ في المطبخ وغرف النوم ومدخل البيت حتى بات يحلو لزوجتي أن تسمي هذه الأكوام “مصيدة الشمس”! وبلغ بي الأمر حد أنني لم أعد أقرأ أية مراجعات حديثة للكتب خشية أن لا أكون قادرًا على مقاومة الإغراء العنيف في إضافة المزيد من الكتب إلى منزلنا المتخم بالآلاف منها.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى