الإنتاج الفني والسردي

ما بعد التحوّل، عند كافكا

كافكا

 

ما بعد المسخ عند كافكا // أو التحول و ما يليه عند كافكا // الاغتراب عند كافكا

س كافكا (3 يوليو 18833 يونيو 1924) (بالألمانية: Franz

فرانز كافكا (1883-1924) كاتب تشيكي يُعدّ واحداً من أفضل الأدباء الألمان في فن الرواية والقصة القصيرة، ويعتبر  رائد الكتابة الكابوسية. درس الكيمياء و الحقوق و الأدب في الجامعة الألمانية في براغ.

نُشرت له رواية (التحوّل) في عام 1915، وهي واحدة من أشهر أعمال القرن العشرين وأكثرها تأثيراً حيث تتم دراستها في العديد من الجامعات والكليات في العالم الغربي. تتناول الرواية وصف الحياة اليومية لعائلة (غريغور) الصغيرة بعدما وقع لـ(غريغور)، والحياة اليومية لـ(غريغور) نفسه وهو في هيئته الحشرية المكتسبة وقد بقي وعيه وعواطفه على ما كانت عليه قبل التحول، والتطرّق إلى عوالم الغربة والاغتراب الداخلي في النفس البشرية وعدم الإحساس بالأمان. وقالت المترجمة (سوزان بيرنوفسكي) لموقع لوكال الالماني: “إن المسخ قصة مثلى عملياً”  مشيرة الى ان البداية الغريبة تستحوذ على اهتمام القارئ فيما تتكفّل البقية بابقائه مشدوداً:

إذ استيقظ (غريغور سامسا) ذات صباح، على إثر أحلام سادها الاضطراب، وجد أنه قد تحول و هو في سريره، إلى حشرة عملاقة. كان مستلقياً على ظهره، الصلب مثلما درع، ولما رفع رأسه قليلاً، رأى كرشه، منتفخة، داكنة، تجزِّئها خطوط مقوسة جاسية، والغطاء بالكاد ممدود على أعلاها، ويكاد أن ينزلق عنها كلية. وكانت قوائمه العديدة، والدقيقة بشكل فادح بالنظر إلى ضخامة بدنه، ما تنفكّ تهتز، في حركة يراها ولا يستطيع إزاءها شيئاً.

تعرض (التحوّل) فكرة فقدان التواصل كخطوة أولية في اغتراب الأفراد:

أدرك (غريغور) أن الانعدام التام للتحادث المباشر مع أي إنسان والحياة الرتيبة التي يعيشها في الوسط العائلي، قد تسببتا له بالتأكيد، على امتداد هذين الشهرين، في بلبلة الذهن، وإلا فكيف يمكنه أن يفسّر لنفسه بكل جدية توقه إلى رؤية غرفته و قد أُفرغت؟ أكان يرغب حقاً في أن يترك الغرفة الدافئة ذات الفراش المريح الذي ورثته عائلته تنقلب إلى كهف، ولكنه سينسى فيه أيضاً، وبشكل سريع، ماضيه الإنساني بأكمله؟ ذلك أنه في الواقع على وشك أن ينساه.

كما و يعطي لمحة عن صراع الفرد بين ما كان عليه قبل تغيّره وما يصير إليه بعده، و التنافس بين داخله كإنسان له عاطفة وذكريات وبين ما آل إليه جسده كحشرة عملاقة لها احتياجاتها من الفراغ والمساحة الخالية:

إلا أنه اضطر إلى الاعتراف بنفسه بأنه لن يقوى على احتمال ما يحدث لوقت طويل. فقد كانتا تخليان الغرفة من محتوياتها، كانتا تنتزعان منه أحب الأشياء إليه … فجأة اجتذبت ناظريه صورة المرأة التي كانت مدثرة كلية بالفراء، تلك الصورة التي كانت الوحيدة المتبقية في وسط جدار عار مما عداها ؛ فمضى متسلقاً صوبها بأسرع ما أمكنه، والتصق بقطعة الزجاج التي تغطيها.

و في الحديث عن الاستسلام للعزلة و الاهمال المتكرر و المتزايد للفرد من الآخرين و خصوصاً المقربين وما ينجم عن ذلك من تقلّص للذات و عدم الرغبة في الاستمرار:

و الآن؟ تساءل (غريغور)، وهو ينظر حواليه في الظلمة. ولم يتأخر في اكتشاف أنه الآن قد أضحى عاجزاً تماماً عن الحركة. لم يدهشه ذلك بل إنا ما بدا له غير طبيعي تماماً، هو أنه حتى هذا الوقت كان بمستطاعه أن يتنقل على قوائمه تلك، الصغيرة والناحلة جداً. وفيما عدا هذا فإنه شعر ببعض الارتياح. حقاً كان الألم مستشرياً في سائر جسده، لكن كان لديه انطباع بأن حدة آلامه كانت تخف تدريجياً وتتضاءل وأنها آيلة في نهاية الطاف إلى التلاشي كليّة. وكان قد فقد الإحساس إلى حد بعيد بالتفاحة المهترئة المنغرسة في زهره وبالمنطقة الملتهبة فيما حولها، والتي كان يغطيها غبار دقيق. واستذكر عائلته بحنان وحب. وكانت فكرة ضرورة اختفائه قد أضحت أكثر ترسخاً لديه ربما منها لدى أخته. واستمر في تأملاته الغامضة، في حال من السكينة إلى أن أعلنت ساعة البرج الثالثة صباحاً. وشهد الضوء وقد بدأ ينتشر في الخارج، أمام النافذة. ثم هوى رأسه أرضاً رغماً عنه ومن منخريه انطلق في وهن آخر أنفاسه.

يطرح (كافكا) فكرة أخرى بخصوص دور التجارب في تشكيل ردات الفعل تجاه التغيّرات والتحولات في الأشخاص والأحداث وأهميتها في بناء الشخصية القوية:

فتلك الأرملة المسنة، التي لا شكّ أن بنيتها القوية قد كفلت لها أن تجتاز أسوأ المحن خلال حياتها الطويلة، لم تكن تشعر باشمئزاز حقيقي من (غريغور) … كانت تبلغ حدّ مناداته و دعوته إلى القدوم نحوها بتعابير كانت تعتبرها، ولا شكّ، وديّة ، مثل: “اقترب قليلاً، يا خنفس الروث!”.

زر الذهاب إلى الأعلى