الإنتاج الفني والسرديترجمات حصرية

مارثا غراهام: الاستياء المقدس من أن تكون فنانًا.

مارثا غراهام (1894 – 1991) هي راقصة ومصممة رقصات أمريكية ولدت في بيتسبرغ، بنسلفانيا وتعد من رواد الرقص الحديث، الذين يمكن مقارنة تأثيرهم على الرقص بتأثير  (إيجور سترافينسكي) على الموسيقى، أو تأثير (بيكاسو) على الفنون البصرية، أو تأثير (فرانك لويد رايت) على فن العمارة.

لا فنان يشعر بالرضا…فلا يوجد سوى ذلك الاستياء المقدس الغريب، ذلك القلق المبارك الذي يبقينا في مسيرتنا ويبث فينا المزيد من الحياة أكثر من غيرنا.

“استسلم لذلك الحزن المستمر على مدى الحياة الذي يأتي من ألا تكون مطلقًا راضيًا”، تقدم لنا الروائية الانجليزية (زادي سميث) تلك النصيحة من نصائحها العشرة للكتابة. ولكن كيف يمكن للمرء مصادقة هذا الاستياء الأبدي، وفي الوقت ذاته مواصلة تحرير ما تعبر عنه الكاتبة الأمريكية (جوليا كاميرون) بعبارتها المؤثرة: “الكهرباء الروحية” للتدفق الإبداعي؟

تقدم لنا هنا مديرة الرقص الأسطورية (مارثا غراهام) إجابة لهذا السؤال الدائم لحياة الابداع، وهي إجابة تتميز بالمعرفة الملحوظة والسمو الملحوظ في الوقت ذاته، وذلك في محادثة نجدها في سيرتها الذاتية لعام 1991 بعنوان مارثا: حياة مارثا غراهام وأعمالها للراقصة ومصممة الرقصات (أغنيس دو ميل).

في عام 1943 تم تعيين (دي ميل) لتصميم رقصات للمسرحية الغنائية أوكلاهوما! التي أحدثت ضجة بين عشية وضحاها وحققت رقمًا قياسيًا في عدد العروض بلغ 2212 عرضًا، وعندما شعرت (دي ميل) بأن النقاد والجمهور تجاهلوا طويلاً الأعمال التي وضعت فيها قلبها وروحها شعرت بالإحباط بسبب شعورها بأن العمل الذي كانت تعده “مجرد عمل متوسط الجودة” حقق نجاحًا منقطع النظير، وبعد العرض الأول بفترة قصيرة قابلت (غراهام) في مطعم شرافتس للصودا، وجرت بينهما محادثة أظهرت ذلك الألم الشديد الذي تشعر به وقدمت لدي ميل ما تعُده أعظم ما قيل لها على الإطلاق، وتروي لنا تلك المحادثة:

اعترفت بأني لدي رغبة عارمة لتحقيق التميز، ولكن لا إيمان لدي في قدرتي على ذلك.

فقالت لي (مارثا) حينها بهدوء شديد: “ثمة حيوية وقوة حياة وطاقة وإحياء يتم ترجمته من خلالك إلى فعل، ولأنك الوحيدة فقط من نوعك في كل عصر، فما تقومين به سيكون كذلك أيضاً. وإذا حجبته لن يخرج إلى الوجود مطلقًا عن طريق أي وسيط آخر، وسيضيع، وسيخسره العالم، وليست مهمتك تحديد مدى جودته، ولا مدى قيمته، ولا الشبه بينه وغيره من التعبيرات، فمهمتك هو أن يظل ملكك بوضوح، وعلى نحوٍ مباشر، وأن تظل تلك القناة مفتوحة، فلا يجب عليك حتى مجرد الإيمان بنفسك أو بعملك، فيجب أن تظلي متفتحة ومدركة للدوافع التي تحفزك، لا تغلقي تلك القناة، أما بالنسبة لك يا أغنيس فقد استخدمت حتى الآن مجرد الثلث تقريبًا من موهبتك.”

فقلت: “ولكن عندما أرى عملي أُسلم بتقييم الآخرين له، فلا أرى سوى عدم كفاءته، وعيوبه، وفظاظته، فلا أشعر بالسعادة ولا الرضا”.

فردت عليّ: “لا يوجد فنان سعيد”.

ولكن هل ثمة رضا؟ سألتها.

فصرخت بانفعال:

لا رضا على الإطلاق في أي وقت، لا فنان يشعر بالرضا…فلا يوجد سوى ذلك الاستياء المقدس الغريب، ذلك القلق المبارك الذي يبقينا في مسيرتنا ويبث فينا المزيد من الحياة أكثر من غيرنا.


[المصدر]

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى